موقع ثقافي تعليمي

استراتيجية الخروج المذل من الجنوب العربي

استراتيجية الخروج المذل من الجنوب العربي في 29 نوفمبر 1967

ترجمة مسعود عمشوش

كان انسحاب الفرنسيين من الجزائر سنة 1962، منظما إلى حد ما مقارنة بانسحاب بريطانيا من الجنوب العربي سنة 1967. واليوم تدرس مقاومة الجزائريين لفرنسا وسكان الجنوب العربي لبريطانيا على نطاق واسع في معظم الكليات الحربية في الغرب وإسرائيل، وفيما يأتي صفحتان من مقدمة رسالة الماجستير التي أعدها سنة 2014 الرائد ستيفن أندرو كامبل وتناول فيها (استراتيجية الخروج ليست استراتيجية رابحة: الدروس الاستخباراتية المستفادة من “حالة الطوارئ” البريطانية في الجنوب العربي، 1963-1967). وتجسد الهزيمة البريطانية فيما كان سيصبح (اتحاد الجنوب العربي) في الفترة من 1963 إلى 1967، صراعًا صعبًا وطويل الأمد لمكافحة التمرد. فبين الحملات [البريطانية] الأكثر نجاحًا، في قبرص وكينيا والمالايو وعمان، حملة عدن هي الوحيدة التي باءت بالفشل والهزيمة. ومع ذلك فهي لم تحظ باهتمام كبير من قبل الباحثين العسكريين على مدار الخمسة والثلاثين عامًا الماضية، داخل وخارج مناهج التعليم العسكري الاحترافي (PME) للجيش البريطاني وعقيدة مكافحة التمرد.

وخلال التجربة الصعبة الأخيرة في العراق، عادت الحرب في عدن إلى الأذهان. لقد كان انسحاب جنودنا في PME في العقود السابقة خطأً فادحًا – لا سيما مع الإبقاء على حالة الطوارئ في ماليزيا. فاستبعاد عدن مع الاحتفاظ بالملايو كان نتيجة تقدير ضيق وأحادي البعد لمكافحة التمرد والأساليب العملياتية المختلفة التي اتبعها الجيش البريطاني، ويقدم لنا اليوم (حالة) للدراسة.

إنّ تحليل الصراع في الجنوب العربي يمكن أن يوسع فهم التنوع والفروقات الدقيقة والبارزة في الأساليب العديدة التي استخدمها البريطانيون فعليًا في مكافحة التمرد – لا سيما الكليشيهات المضللة: “القلوب والعقول”، و”الحد الأدنى من القوة” والاستخبارات. كما يقدم تجارب ملموسة ودروسا مفيدة للجيشين المعاصرين في المملكة المتحدة والولايات المتحدة – لاسيما في مجال العمل الاستخباراتي في بيئة معادية.

ففي الجنوب العربي خاضت قوة غربية، بالتعاون مع حلفاء محليين حربا ضد المتمردين العرب، الذين استفادوا من الدعم الخارجي القوي – مصر عبد الناصر، واليمن الجمهوري، والاتحاد السوفيتي. وهي تحتوي على العديد من الموضوعات والدروس للقوات الأمريكية والبريطانية المعاصرة.

من المنظور الاستراتيجي والعملياتي، ربما يكون الدرس الأكثر أهمية هو تأثير فرض جدول زمني عام للانسحاب، والذي بدوره مدفوع بتغيير أساسي في السياسة الوطنية، وما ترتب على ذلك من تأثير سلبي على قدرة الجيش على تحقيق أهداف وإنجازات ولو محدودة. هذا التحول من استراتيجية الفوز إلى “استراتيجية الخروج”، والتأثير السلبي الذي كان له تأثير على قدرة القوات البريطانية على جمع واستخدام المعلومات الاستخبارية، هو محور هذه الأطروحة، التي تسعى إلى تقييم العنصر الاستخباراتي في حملة المملكة المتحدة لمكافحة التمرد في الجنوب العربي – لا سيما دور الجيش، داخل منظومة الاستخبارات البريطانية الشاملة.

المجالات المحددة التي تمّت دراستها هي: مدى كفاءة منظومة الاستخبارات في بداية الحملة؛ وقدرته على تحديد نقاط الضعف والتعلم والتكيف؛ وتأثير التغيير الجذري والشامل للسياسة الوطنية من قبل حكومة المملكة المتحدة في فعالية الاستخبارات في عام 1966. وتختتم الرسالة بتحليل ما قامت به منظومة الاستخبارات المتخصصة داخل الجيش البريطاني، وهيئة الاستخبارات، بهدف التعرف على التجربة ودراستها والاستفادة من دروسها.

تكمن الفكرة الأساسية التي ترتكز عليها هذه الأطروحة في الأهمية المركزية لدور الاستخبارات لتحقيق النجاح في مكافحة التمرد. وتحظى هذه الفكرة بتأييد واسع بين المنظرين العسكريين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وباختصار، نرى أن تطوير منظومة استخباراتية فعالة هو الأساس لأي حملة ناجحة لمكافحة التمرد. فبدون الاستخبارات، لن يكون هناك جدوى وفعالية لأي أسلحة ومعدات وتدريبات ومزايا تتمتع بها قوات مكافحة التمرد.

إن التحليل والاستنتاجات الواردة في هذه الوثيقة قد تجعل القراءة غير مريحة من وجهة نظر بريطانية – لاسيما بالنسبة لمؤسسة تعليمية محتملة. لقد فقدت القوات المدنية والعسكرية في الجنوب العربي زمام المبادرة أمام المتمردين وكافحت من أجل التعافي. وهيمنت حملة إرهابية حضرية فعالة للغاية على منظمة الاستخبارات الموجودة في عدن؛ وفي المحميات، كانت القوات البريطانية لا تعرف شيئا كذلك عن شبكة المتمردين، وكانت محرومة من الدعم القبلي المحتمل. وقد أدركت الأجهزة الحكومية البريطانية، العسكرية والمدنية، الحاجة إلى التغيير والتكيف، لكنها كانت بطيئة جدًا في القيام بذلك. وفي الوقت الذي وصل فيه أفراد جدد إلى الجنوب العربي كان هناك تغيير كامل في السياسة البريطانية، التي تبنت استراتيجية الخروج. ومنذ ذلك الحين، أصبحت حصيلة العمل الاستخباراتي تتناقص باستمرار. ولم يقف السكان المحليون إلى جانب السلطة المغادرة أو الحكومة عندما انسحبت القوات البريطانية أخيرًا في نوفمبر 1967. فمن الواضح أن المنظومة الاستخباراتية كانت غير فعالة على نطاق واسع. ومع ذلك ليس هناك ما يشير إلى أن قسم الاستخبارات قام بأي محاولة لتحديد أي دروس رسميا.

Comments are Closed