موقع ثقافي تعليمي

عدن سنة 1708 في كتابات الرحالة الفرنسي جان دي لاروك

سنة 1708 زار الصحفي الرحالة الفرنسي جان دي لا روكي ( Jean de Laroque، الذي في مارسيليا ولد في 19 فبراير 1661  وتوفي في 8  ديسمبر 1745 في باريس ) عدن التي لم تكن تلك القرية التي تحدث عنها هينس عند وصوله إليها سنة 1839. فهو وصفها على النحو الآتي: “ما كدنا نرسو في الطريق إلى عدن، رافعين الراية الفرنسية، حتى أرسل الحاكم لنا قاربين محملين بالكثير من المؤن، مرحباً بنا على لسان أحد الضباط، ولأننا كنا على مسافة أكثر من فرسخ من المدينة، لم نبلغ الشاطئ ذلك اليوم، ولم نجد من المناسب حجز أنفسنا تحت قلعة في بلد لا يزال أهله مجهولين بالنسبة لنا ولكن في وقت مبكر من صباح اليوم التالي أرسلنا وفداً لتحية الحاكم. وفي غضون ذلك حبيناه بطلقات من سبعة مدافع في كل سفينة، رد عليها من مدافع القلعة التي تسيطر على الطريق الأقرب إلى المدينة، وأرسل فوراً لتحيتنا مرة ثانية مع الدعوة بالقدوم إلى الشاطئ، واحتشدت قوارب البلد حولنا لتقدم لنا كل أنواع المؤن وكنا قد أدركنا بالفعل أن العرب شعب متحضر وأكثر تعوداً على رؤية الأجانب مما تصورنا. وذهب السيد دي شامبلوريه ومضيت معه بصحبة بعض الضباط من سفننا الثلاث إلى الشاطئ بعد تناول الغداء، ووجدنا على المدخل بعض الجنود الذين اصطحبونا إلى بوابة يطلقون عليها بوابة البحر العظيمة بسبب كبر حجمها ومواجهتها للمرفأ وكان أمامها مجموعة من الحراس.

ولاحظت في أثناء مروري أن هذه البوابة هائلة السمك وبها مسامير حديدية كبيرة أو ربما أوتاد يسندها عمود من الحديد متناسب الحجم مع باقي مكونات البوابة، دخلنا من هذه البوابة إلى دهليز مقنطر على نحو بديع قرابة خمس عشرة خطوة ووجدنا نوعاً من الباحة المقنطرة على نحو مماثل تنتهي بزاوية واستقبلنا هناك بحفاوة عظيمة ضابط رفيع الرتبة يدعونه أمير البحر وندعوه أمير البر وربما هو رئيس المرفأ. وأجلسنا على أرائك من نوع خاص جداً، وسألنا من أين أتينا ومناسبة رحلتنا وكانت محادثتنا قصيرة بسبب كون هذا الضابط قد أبلغ الحاكم بأمر رسولنا، فأرسل أوامره بمثولنا أمامه.

وخرجنا من بوابة حديدية في أدنى المكان أفضت إلى مكان آخر جوانبه كتل خشبية، وسرنا بين صفين من الجنود، يتقدمنا ويتبعنا آخرون، وأمير البحر على شمالنا، حتى وصلنا قصر الحاكم. ارتقينا درجاً بديعاً إلى الجناح الرئيس، حيث وجدنا الحاكم جالساً على أريكة في الطرف العلوي مغطاة بسجاد فاخر ووسائد موشاة بالذهب. وكانت حاشيته مصطفة عن اليمين وعن الشمال وأعضاؤها يجلسون بالمثل على السجاد، وكانت بقية القاعة مغطاة بالفراش الجميل واتجهنا إلى الأريكة من دون خلع نعالنا، وهو معروف نادراً ما يمنح لأي شخص. وبعد السلام على الحاكم بادر بمصافحتنا، وأبلغنا عن طريق مترجمه وهو أحد المنشقين البرتغاليين أن علينا الجلوس، وبدأ يسألنا أسئلة عامة تتعلق بالبلد الذي قدمنا منه ورحلتنا، فأجبنا عنها بما يرضيه، وأكد لنا حمايته لنا في نطاق حكمه، وبعد تكريمه لنا ببعض القهوة السلطانية، كان لطيفاً معنا إلى حد إخباره لنا أنه أمر بتجهيز مساكن لنا، وحيث إنه من غير المعتاد الحديث عن العمل في أول لقاء فقد استأذنا في الانصراف بعد أن قدمنا له الشكر ووعدنا بزيارته صبيحة الغد مرة أخرى في الصباح التالي.

وصحبنا أمير البر في الموكب ذاته إلى بيته الخاص، الذي أمر به الحاكم لاستضافتنا، حيث أرسلنا قاربنا للحصول على المؤن التي كنا بحاجة لها والضروريات التي لزمتنا. وهذا البيت وإن كان واسعاً وجميلاً في مظهره، ليس به من الأثاث سوى البسط، التي ستحل محل المقاعد والمناضد بالنسبة لنا، وكنا مندهشين لذلك ولكن هذه هي عادات هذه البلاد.
وأحضروا لنا في المساء بعض الشموع ولكن بدون الشمعدانات التي كان علينا التزود بها بطريقتنا، وتناولنا العشاء وقضينا الليل من دون هموم.

وجاء مضيفنا أمير البر لرؤيتنا في الصباح الباكر والاطمئنان على راحتنا، وأجبته بعد تفكير طويل بدت عليه من جراء ذلك دهشة كبيرة سائلاً عما إذا كان هناك ما يزعجنا وما الذي يريحنا حيث إنه، كما قال، وضع الحراس حول البيت طوال الليل موصياً بعدم إصدار أي ضوضاء. فأبلغته أننا لم نكن معتادين النوم على فراش وثير، مما جعله يبتسم قليلاً، حيث إن أولئك الناس متزنون للغاية، ونادراً ما يضحكون بصوت عال.

مضينا للتنزه في المرفأ، منتظرين الساعة المناسبة لزيارة الحاكم الذي ذهب إلى بيت حريمه، حيث قابلنا مرة ثانية، ولاحظنا عدة نوافذ في الجدار في سلم الدرج مع شبابيك نظرت السيدات من خلالها لرؤيتنا خلال مرورنا، وأدخلنا إلى مجلس كالذي كنا فيه بالأمس.
وكان الحاكم يجلس في الطرف العلوي ولكن حاشيته لم تكن عديدة بالقدر ذاته. وأهديناه مقطعاً من القماش القرمزي وبعض البنادق، قبلها باستحسان كبير، وحثنا على الاتجار مع حكومته، مؤكداً لنا محاباته الخاصة لنا، مشيداً بما ينتجونه من بن ممتاز ووفير فضلاً عن البضائع والتسهيلات العظيمة التي ستقدم لنا، مضينا من هناك لزيارة حاكم القلعة، الذي كانت له دار في المدينة، وبعدها قدمنا له هدية من البنادق وبعض القماش حيّانا ببعض القهوة السلطانية والحلوى. وكان رجالنا في غضون ذلك قد أهديت لهم الفواكه وكان هذا الحاكم لطيفاً جداً ومجاملاً، وكان لديه الكثير من هيبة الرجل رفيع المكانة وكان له اعتباره في جميع أرجاء البلاد.

بعد ذلك بقليل، وعقب عودتنا إلى منزلنا جاء البانيان، وهم السماسرة في شبه الجزيرة العربية، لزيارتنا وعرض خدماتهم علينا، ورغبوا في أن نرسل بطلب البضاعة التي على متن سفننا، أو على الأقل نماذج منها، ولكن حيث إنه لم يكن لدينا سوى قضبان الحديد وقليل من المرجان وبعض القرمز، وكان كل مخزوننا الرئيس من القروش لشراء البن اكتفينا بجعلهم يرون المواد التي على ظهر غنيمتنا الهولندية.

بعد تناول الغداء عدنا لزيارة كبير البانيان وطلبنا منه من دون كبير مجاملة أن يقدم لنا شرباً بدلاً من القهوة السلطانية التي لم نكن معتادين عليها كثيراً. وانتقلنا من هناك إلى السوق حيث تباع جميع أصناف البضائع ومعروضة في المتاجر، وتوجد عدة وشوارع مجهزة كتلك التي في سوق سان جرمان. والبانيان هم التجار ولا تشاهد النساء هناك أبداً.

وهناك طريقاً واحدة فقط تساعد على الوصول إلى عدن من البر وتمر عبر جسر ضيق يمتد داخلاً في البحر مثل شبه الجزيرة. تسيطر على رأسه قلعة مع حراس متمركزين على مسافات معينة، وتوجد على مدى طلقة مدفع قلعة أخرى بيضاوية الشكل فيها أربعون قطعة مدفعية كبيرة، مركبة على عدة بطاريات مع حامية، بحيث يكون من المستحيل محاولة النزول من ذلك الجانب. وعلى طريق الاتصال بين المدينة وهذا المكان توجد أيضاً قلعة أخرى، بها اثنا عشر مدفعاً وحامية. وباتجاه البحر، الذي يمكن الوصول إلى هذه المدينة عن طريقه، يوجد خليج بعرض ثمانية أو تسعة فراسخ في المقدمة وهو مقسم إلى طريقين إحداهما واسعة جداً وبعيدة عن المدينة والثانية أقل وأقرب، والتي يطلق عليها المرفأ وهذه بعرض فرسخ واحد، وتأخذ من عرض القلعة التي تسيطر على 50 مدفعاً حتى النقطة التي تقع فيها القلاع التي وصفتها لتوي ويمكنك الرسو في جميع أرجائها، حيث يتراوح عمق المياه بين 18 إلى 20 و22 قامة. ولن أطيل الحديث عن داخل المدينة، فهي واسعة إلى حد كبير، ويستطيع المرء أن يرى فيها عدة بيوت جميلة ترتفع إلى طابقين وتعلوها سقوف مسطحة، ويمكن الحكم عليها في يسر مما هو باق. ومن خلال الموقع المميز والقول المفيد إن عدن كانت ذات يوم مدينة مشهورة وذات أهمية عظيمة، مكان قوي، ومتراس شبه الجزيرة العربية السعيدة الرئيس. والأرض المحيطة بها، وإن كانت ضيقة إلا إنها جميلة بكثير من الخضرة التي تنمو على سفوح الجبال”.

Comments are Closed