موقع ثقافي تعليمي

عدن في الأدلة السياحية الفرنسية

عدن قاعدة سياحية مسعود عمشوش

من المعلوم أن عدن، التي جاء ذكرها في الإنجيل، قد حظيت باهتمام الغربيين منذ قديم الزمان. وزاد من أهميتها موقعها في طريق التجارة بين الغرب والهند والصين. ولا شك أنّ احتدام الصراع الاستعماري بين فرنسا وبريطانيا في مطلع القرن التاسع عشر قد أكسب عدن أهمية أكبر؛ حتى أن الرحالة الفرنسي لويس سيمونان أطلق عليها: “جبل طارق البحر الأحمر”. كما أنّ عدن، بعد أن احتلها البريطانيون سنة 1839، صارت بالنسبة للرحالة والمستكشفين والمبشرين الفرنسيين وغيرهم نقطة انطلاق نحو الجزء الشرقي من القارة الأفريقية. وكثير هم الغربيون الذين كتبوا عن عدن؛ فمنهم من وصفها في رسائله أو مذكراته، ومنهم من كرس لها دراسة أو كتاباً كاملاً. فبدءاً بكلود موريسو وسامسون في القرن السابع عشر، وفيكتور فونتانيه ولويس سيمونان وآرثر دي غوبينو وألفرد بارديه وآرثر رامبو والرحالة الألماني هينريتش فون مالتزان، في القرن التاسع عشر، وبول نيزان وهنري مونفرد وبول موراند وفيليب سوبو وأندريه مالرو، وحتى إريك مرسيه مؤلف (عدن: مسار مقطوع) 1997، وجوزيه ماري- بل صاحب (عدن الميناء الأسطوري لليمن) 1998، وجان- هوغ بيرو جان- جاك لفرير وبيير لروا الذين نشروا في مطلع سنة 2001 كتابا عن (رامبو في عدن)، ما زالت عدن تحظى باهتمام كبير من الرحالة الغربيين. ويتجسد ذلك الاهتمام كذلك في الأدلة السياحية التي كرسها الغربيون لمدينة عدن وحدها، أو لجنوب الجزيرة العربية. وفي هذه السطور سنقدم الكيفية التي قُدّمت بها عدن في الدليل السياحي الذي كتبه باللغة الفرنسية إيمانويل جيرود عن (اليمن Yemen)، ونُشِر سنة 1996ضمن سلسلة الأدلة السياحية التي تنشرها دار (أرتو Arthaud) الشهيرة. وقد وضع الفنان جوزيه-ماري بيل مقدمة للدليل وقام باختيار الصور والرسومات والخرائط.

ينقسم الدليل إلى ثلاثة أجزاء؛ يتضمن الجزء الأول منها المعلومات الجغرافية والتاريخية والسياسية والثقافية عن البلاد بشكل عام. ويحتوي الجزء الثالث على (المعلومات العملية Renseignements pratiques) التي يحتاجها السائح عند زيارته لبلادنا.

وكُرِّس الجزء الثاني لتقديم أهم المدن والمناطق التي تكتسب أهمية سياحية وينبغي زيارتها في اليمن والجنوب؛ بدءا بصنعاء وما حولها، ومرورا بصعدة، وتهامة، وتعز وإب وجبلة، ومأرب، وحضرموت، وساحل المحيط الهندي، وانتهاءً بعدن (من صفحة 190 إلى صفحة 208).

وللجزء الخاص بعدن وضع المؤلف العنوان الآتي: (عدن: السحر القديم لمستعمرةٍ بريطانية قديمة). ويتضمن النص واحد وعشرين عنوانا فرعيا وخارطة حديثة للمدينة وخارطة قديمة لكريتر، ورسمة لواجهة بيت رامبو وقائمة تواريخ مهمة.

في الجزء الأول من نص عدن (قليل من التاريخ)، يتحدث المؤلف عما ورد عن عدن في الكتب المقدسة، وتحديدا ما جاء في التوراة الذي ذكر فيه أن “تجار قنا وعدن يتاجرون مع سبأ وصيدا”. كما أورد المؤلف ما ذكره عنها عدد من الجغرافيين العرب مثل المقدسي الذي تحدث عن علاقة ميناء عدن التجارية مع الصين قبل ألف عام. ثم تناول اهتمام الغربيين بعدن في العصور الحديثة، وذكر احتلال بريطانيا لها وقيام الثورة ضدها والصراع بين الجبهة القويمة وجبهة التحرير ورحيل البريطانيين منها في 30 نوفمبر 1967.

وتحت عنوان (عدن اليوم [سنة 1996])، وبعد التذكير أن ميناء عدن كان يستقبل 7000 سفينة في العام قبل الاستقلال، كتب: “في سنة 1990، قبل الوحدة هبط هذا العدد إلى 2500 سفينة في العام، أي الثلث فقط من إجمالي العدد الذي يمكن أن يستقبله الميناء. أما اليوم فعدن أصبحت ميناءً مهجورا ومتهالكا ومتأثرا بختم الواقعية الاشتراكية. فهذه المدينة الكوسموبوليتية التي، طوال تاريخها، مزجت بشكل متناغم الثقافات العربية والهندية والإفريقية والأوروبية، تتعافى بصعوبة من آثار إهمالها من قبل صنعاء منذ قيام الوحدة، ومن أعمال النهب والفيد التي شهدتها خلال وبعد الحرب التي اندلعت فيها من مايو إلى يوليو 1994”.

وتحت عنوان (نظرة حول المدينة)، يقدم المؤلف عددا من المعلومات الجغرافية، المساحة والتضاريس. وعن المناخ كتب: “في الصيف تقترب درجة الحرار من الخمسين درجة والشتاء من النادر أن تنزل تحت الثلاثين. ومعدل الرطوبة مرتفع جدا رغم أن سقوط الأمطار نادر جدا، بعكس العواصف الاستوائية الشديدة تشهدها المدينة بين الحين والآخر”. ص195

ويؤكد المؤلف أن “سكان عدن منكوبين اقتصاديا واجتماعيا، ويعيشون معظمهم بقليل من الإمكانيات، لكن بستر، ويتم دفع مرتبات الموظفين الجنوبيين بشكل فصلي من صنعاء. وفي محاولة لسد نقص السيولة المالية ازدهرت في المدينة السوق السوداء المحرمة كليا في عهد اليسار، وانتشرت بشكل سريع، وأدى ذلك إلى ارتفاع في أسعار المواد الغذائية بما فيها الأرز والسمك اللذين يشكلان أساس الوجبة في المدينة بنسبة 400%. وإيجارات المساكن التي كانت مجانية أصبحت هي أيضا مرتفعة جدا. وبلغ البؤس ذروته، وأصيب سكان عدن بعدوى عادات الفساد السائدة في الشمال، التي لم تعرفها عدن في ظل الإدارة البريطانية الطويلة والعشرين سنة من الماركسية اللينينية في أكثر صيغها تشددا”. ص197

وتحت عنوان (تأثير الشمال)، يتحدث المؤلف عما يميّز سكان الجنوب، وعدن بشكل خاص عن سكان الشمال؛ لاسيما فيما يتعلق بالاختلاط واللباس وعادات حمل السلاح، ويركز على الحجاب وعدم حمل سكان عدن للجنبية أو الأسلحة النارية قبل الوحدة، ويكتب: “لكن اليوم شجّعت العادات القبلية السائدة في الشمال على عودة ظهور الأسلحة في عدن. وليس من المستبعد أن تتبنَّى عدن مزيدا من عادات صنعاء السيئة”. ص 198

وفي الجزء الخاص بـ (اكتشاف عدن) يقدم المؤلف أهم المواقع التي يمكن أن يزورها السائح في عدن، ويبدأ بكريتر أو (المدينة القديمة والسوق)، ودار رامبو الواقع أمام المنارة، ويكرس صفحة كاملة للحديث عن إقامة الشاعر الفرنسي رامبو في عدن. ثم يقدم بإيجاز أشهر معالم عدن الأثرية: صهاريج الطويلة، وجبل شمسان وقلعة صيرة. وبعد ذلك يتحدث عن المعلا أو (شانزيليزيه عدن)، ثم عن التواهي، مكان إقامة المستمعرين البريطانيين. ويقدم كذلك المتحف الوطني والمتحف العسكري، وساحل أبين وساحل جولد مور، وخليج الفيل، وسواحل البريقة أو عدن الصغرى.

وفي الختام، أتساءل مرة أخرى: هل ستعود عدن وتصبح قاعد سياحية؟

Comments are Closed