موقع ثقافي تعليمي

اللغات الأجنبية في عدن منذ الاستقلال (2/1)

أ.د. مسعود عمشوش

لا ريب في أن هناك أخطاء جمة ارتكبتها القيادة التي تحملت دفة الأمور في عدن منذ الاستقلال في الثلاثين من نوفمبر عام 1967 وحتى عام 1990. ويبدو أن أخطاءها في مجال التربية والتعليم أقل منه في المجالات الأخرى. ففي قطاع التعليم كانت بعض إنجازاتها مقبولة، لاسيما في مجال تأهيل المعلمين والتعليم الجامعي وتعليم الفتاه الذي ارتفع إلى أعلى المستويات، وارتبط ذلك بتمكينها من المشاركة في العمل، وحفظ مكانتها الاجتماعية كشريك فاعل في عملية التنمية. كما أن حملات محو الأمية وتعليم الكبار (وفق إحصائيات اليونسكو انخفضت معدلات الامية في جمهورية اليمن الجنوبية كثيرا.) أحدثت طفرة ملموسة في رفع الوعي التعليمي في المجتمع، فتخرجت من عدن أول قاضيه وأول طيارة وأول مذيعة على مستوى الجزيرة.

والذي يهمنا هنا هو: ما المصير الذي آلت إليه اللغة الإنجليزية في عدن بعد الاستقلال؟ وكيف كان تعليم اللغات الأجنبية بشكل عام في عدن منذ الاستقلال وحتى عام 1990؟ فحسب علمي، لم يتم التطرق لتاريخ تعليم اللغات الأجنبية في بلادنا منذ الاستقلال في أيٍّ من الكتب والدراسات التي تناولت تاريخ التعليم في بلادنا.

ويمكن أن نذكـّر هنا أن بريطانيا قد انتهزت البيئة الكوسموبوليتية، متعددة الأعراق، التي ظلت سائدة في عدن حتى الاستقلال، لتجعل من اللغة الإنجليزية اللغة الرسمية والثقافية والتجارية والإعلامية لعدن، وكذلك لغة التعليم الحكومي والنظامي بشكل عام، وبالتالي لغة التواصل بين الجاليات المختلفة، ونجحت هكذا في وضع اللغة الإنجليزية في المكانة الأولى في مختلف جوانب الحياة في مدينة عدن طوال فترة استعمارها لها. وذكرنا في خاتمة دراسة قمنا بها حول (مكانة اللغة الإنجليزية في الحياة التعليمية في عدن قبل الاستقلال) أن إهمال اللغة العربية في عدن خلال فترة الاستعمار ووضعها في المرتبة الثانية أو موازية للغات الجالية الوافدة، لاسيما في النظام التعليمي الحكومي، لم يؤثرا في الهوية العربية لعدن. وفي الواقع، على الرغم من ازدياد عدد أفراد أبناء عدن من الأجناس غير العربية، (وهي ظاهرة شهدتها عدن قبل احتلالها من قبل البريطانيين ومرتبطة بكونها ميناء تجاريا مشهورا منذ أقدم العصور)، لم يضع أي غربي عروبة عدن في موضع الشك. وأكبر دليل على حفاظ عدن على هويتها العربية أن ثنائية اللغة اختفت فيها بشكل تلقائي بعد الاستقلال مباشرة، وأصبحت اللغة الإنجليزية لغة أجنبية تدرس في المدارس الحكومية من المستوى الأول المتوسط وحتى الثالث ثانوي. ولم يتم تغيير مناهج تعليم اللغة الإنجليزية في المدارس الوسطى (ثم الموحدة) والثانوية إلا بشكل تدريجي. وإذا كنا قد درسنا في المدرسة الوسطى (عام 1967) بالمناهج القديمة على أيدي مدرسين سودانيين من بخت الرضا، فقد تولى مدرسون مصريون تدريسنا اللغة الإنجليزية في المرحلة الثانوية وبالمناهج القديمة نفسها (عام 1974)، وكانت مقررة علينا كتب نصوص أدبية إنجليزية، مبسطة لكن كاملة، مثل (Tale of Two Cities & David Cooperfield ).

وفي عام 1974 أقدمت وزارة التربية والتعليم على تأسيس معهدا للغات الحية تابعا لها في مبنى (مدرسة الجلاء) بخورمكسر، وقد جاءت تلك الخطوة بعد أن شرعت الحكومة الفرنسية – التي احتفظت بعلاقات طيبة مع حكومة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية-  في تقديم دعم كبير لتدريس اللغة الفرنسية في كلية التربية العليا عدن، وأبدت استعدادها لتقديم مساعدة لتدريس اللغة الفرنسية في إطار الوزارة. وفي النشرة الإخبارية الأسبوعية الصادرة عن قسم النشر والإعلام في الدائرة السياسية لوزارة التربية والتعليم في عدن (صفحة 9، العدد 13 يناير 1975) تم نشر الخبر الآتي عن معهد اللغات التابع للوزارة: (معهد اللغات الحية: بدأت الدراسة معهد اللغات الحية بمقره السابق في ثانوية الجلاء للبنين بخورمكسر، وذلك ابتداءً من تاريخ 1/12/1975. وتعتبر هذه السنة هي السنة الثانية من عمر المعهد الذي اكتسب من خلال تجربة العام الماضي خبرة مكنته من تطوير نشاطاته ووضع المناهج الحديثة والمتطورة التي ستمكن الكوادر المحلية والشابة من تطوير ثقافتهم في اللغات الحية، مما يحقق الأهداف التي وضعتها وزارة التربية والتعليم، والتي سيحققها هذا المعهد). ومن المعلوم أن الحكومة الفرنسية قد رفدت هذا المعهد، عند افتتاحه، بمناهج تعليمية متطورة ومختبر لغات حديث جدا.

ومن ناحية ثانية استمر المعهد التجاري العدني (الأهلي)، الذي أسسه ياسين محمد راجمنار عام 1927، في تعليم اللغة الإنجليزية، واللغة الإنجليزية التجارية، وبطرق حديثة أيضا.

أما في إطار كلية التربية العليا التي تأسست في 5 ديسمبر 1970، بالتعاون مع منظمة اليونسكو، فقد تمّ، في البداية، العمل بنظام التخصص المزدوج في مختلف برامج البكالوريوس. وكان جميع خريجي الكلية في اللغات يحملون بكالوريوس لغتين معا (إنجليزي فرنسي، أو إنجليزي ألماني، أو إنجليزي روسي) وذلك حتى نهاية العام 1978، حينما تم العمل بنظام دراسي جديد في الكلية. وحتى ذلك التاريخ كانت الكلية تتألف من دائرتين رئيستين، هما دائرة العلوم، ودائرة الإنسانيات أو الآداب. وكان لكل دائرة كيانها الذاتي، وتدير كل دائرة هيئة مؤلفة من رؤساء الأقسام، وتتولى هيئة التدريس في الدائرة انتخاب رئيس الدائرة (ويسمى أيضًا عميد الدائرة)، ويشترط فيه أن يكون رئيسًا لقسم من أقسام تلك الدائرة. وكانت دائرة الآداب تتألف من أقسام:

  • اللغة العربية.

  • اللغات الأجنبية.

  • التاريخ.

  • الجغرافيا.

  • التربية وعلم النفس.

ومنذ عام 1979 أنفرد قسم اللغة الإنجليزية بالاستمرار في إعداد برنامج البكالوريوس وذلك لأهميته في تأهيل مدرسي اللغة الإنجليزية في المدارس الموحدة والثانوية. وعلى الرغم من عدم وجود برنامج بكالوريوس للغة الألمانية فقد أصر الرفاق الألمان في البداية على اعتبار شعبة اللغة الألمانية قسما وذلك حتى عام 1981، حينما أصدر المؤتمر الأول للتعليمي العالي بجمهورية اليمن الديمقراطية قرارا بتأسيس معهد اللغات الأجنبية في جامعة عدن. وقد ضم هذا المعهد شعب اللغات الفرنسية والروسية والألمانية والإسبانية والعربية لغير الناطقين بها. وكان يقوم بتأهيل الطلبة المرشحين للدراسة في الخارج إضافة إلى تدريس اللغات الأجنبية للموظفين الحكوميين ومن يرغب من الناس وبالمجان.  وقد أوصى المجلس التنفيذي لجامعة عدن مجلس الجامعة في نهاية عام 1981 بتعيين الأخ مسعود سعيد عمشوش مديرا لمعهد اللغات الأجنبية بالجامعة، وبناء عليه اتخذ مجلس الجامعة قراره رقم 22 لعام 1982 بالمصادقة على محضري المجلس التنفيذي 9 و10 اللذين شملا المصادقة على التعيين.

grar

 

Comments are Closed