المترجم الشاعر علي محمد لقمان في كتابات فريا ستارك
Posted by:مسعود عمشوش | مارس 20, 2017
أ.د. مسعود عمشوش
مدير مركز عبد الله فاضل للدراسات الإنجليزية والترجمة
من بين سكان عدن العرب، أعطت فريا ستارك اهتماما خاصا بشخصية الشاب علي محمد علي لقمان، الذي تمَّ توظيفه في مكتب الإعلام عام 1940 ليقومَ بمساعدتها في الترجمة وإذاعة الأخبار والمنشورات. وبعد أن أكدت أنه “محور مكتب الإعلام ودعامته الرئيسة”، قدمته على النحو الآتي: “كان المترجم علي محمد، الذي يبلغ من العمر ثلاثة وعشرين عاماً، نحيلاً ويرتدي بدلة بيضاء وربطات عنق ثمينة وجميلة.
وكانت يداه، الحساستان، الناعمتان، في غاية النحافة، كأنهما لم تخلقا إلا لتحملا الأعصاب والأوتار والأفكار التي تحركهما، دون زيادة في اللحم. ولم يكن بياض بشرة علي لقمان في مستوى بياض ثيابه، لكنها لم تكن قاتمة، بل مصبوغة بآثار تعرضها الطويل للشمس. وبإمكاننا مشاهدة الصبغة الداكنة نفسها في سنحات الأوربيين الذين يتجولون هنا في المستعمرة، بعيدا عن سكناهم. ولا شك أنهم قد اكتسبوا الدرجة نفسها من المقاومة. وكان علي يدخل المكتب بعد أن يقطع الأميال الخمسة، التي تفصل منزله في منطقة (كريتر) عن منطقة (التواهي)، بالدراجة الهوائية، وينتظر أن يراه أحد ويقول له: “صباح الخير”، وكان هو يرد بابتسامة أكثر منه بالكلمات”. ويبدو أن هناك أسبابا عدة دفعت فريا ستارك إلى الاهتمام بشخصية علي لقمان؛ فمن جهة، تؤكد أنه يجسّد، في نظرها، نموذجا لأفراد الطبقة الوسطى الجديدة في الجزيرة العربية بشكل خاص، و(الشرق الذي أصبح غربا) بشكل عام. وتوضح ذلك قائلة: “في الحقيقة، كنت مهتمة بهذا الشاب؛ لأنني أعتقد أن بإمكان المرء أن يرى في شخصيته مستقبل الجزيرة العربية. إنه، في نظري، يجسّد حلقة الوصل بين حقبتين تاريخيتين: مرحلة القرصنة الاسكندنافية، ومرحلة البورصة في وول ستريت. وهو يجسّد ذلك اللقاء حتّى في طريقة نهوضه من جلسته في منتهى اللطف والهدوء، التي تشبه طريقة وقوف سكرتيرات السفارات أمام رؤسائهن، وذلك البدوي القادم من أقصى أطراف مستعمرتنا حينما يشد على يدينا: لقد وحدتهم العادات على الرغم من اختلاف الزمان والمكان. وفي هذا اللقاء تكمن المشكلة الأساسية التي تواجهها اليوم الحكومات العربية. وقد أدى كل ذلك – من غير أية إرادة أو ترتيبات سياسية – إلى تلاشي الحدود الفاصلة بين الصحراء والمدينة، وفقدان حياة العرب لخصوصيتها، وتغيير إيقاعها، وظهور طبقة أرستوقراطية ناشئة: هي طبقة الحرفيين الوسطى. ولا تعد هذه الطبقة ظاهرة جديدة في بلاد العرب. فالكتّاب والتجار، الذين تحدثت عنهم (حكايات ألف ليلة وليلة)، مثل السندباد البصري ومعظم الأسماء التي يمجدها العرب، وحتى الرسول نفسه والصحابة، كلهم نشأوا في الجو التجاري المهني، ووسط مجتمع عريق أساسه التجارة، وشكلت تلك الظاهرة الأساس الديمقراطي للفكر العربي؛ فنشأة هؤلاء الحرفيين وسلوكهم وآراؤهم تجعل منهم نخبة زمانهم. والفرق بين منتسبي تلك الطبقة اليوم ومنتسبيها بالأمس يكمن في أن الحرفيين يتحكمون اليوم في زمام أمورهم؛ فبعد أن كانوا أمس مجرد شريحة من القبيلة أو العشيرة، يتحملون بصبر ضغائن الشيخ، باتوا اليوم يتحكمون في مصائرهم، ويتوقون إلى الوصول إلى السلطات العليا، وأصبح لديهم حساباتهم وسجلاتهم الخاصة. ولم تعد الصحراء عائقا يمنعهم من إرسال معاملاتهم وبضائعهم. وما يتم تداوله من أفكار وكلمات في جامعات بيروت والقاهرة تسمعه أيضا في خيام القبائل. بل أن عربات فورد وشيرفولت أضحت اليوم من المناظر المعتادة في رمال الجزيرة العربية كما هي الحال في نيومكسيكو وأريزونا. إنها هذه الخلفية الجديدة التي ترعرع فيها علي هي التي شدّت انتباهي إلى هذا الشاب”.

من بين سكان عدن العرب، أعطت فريا ستارك اهتماما خاصا بشخصية الشاب علي محمد علي لقمان، الذي تمَّ توظيفه في مكتب الإعلام عام 1940 ليقومَ بمساعدتها في الترجمة وإذاعة الأخبار والمنشورات. وبعد أن أكدت أنه “محور مكتب الإعلام ودعامته الرئيسة”، قدمته على النحو الآتي: “كان المترجم علي محمد، الذي يبلغ من ومن ناحية أخرى، من المؤكد أن فريا ستارك قد اكتشفت المواهب الأدبية التي يمتلكها الشاب علي لقمان، الذي في عام 1940 لم يكن قد نشر بعد أي نص شعري من تأليفه. وقد أعجبت حتى بطريقة صياغته للأخبار التي يبثها المكتب بالمذياع، وتقول إنه كان “يضفي شيئا من الحب على تحرير الأخبار اليومية، التي كنت التقطها من المذياع أثناء فطوري، في نثر عربي جميل”.
ولا ريب في أن علي محمد لقمان قد تعاطف كثيرا مع فريا ستارك في زمن الانكسار البريطاني في جبهات القتال عام 1940، وبذل جهدا كبيرا في ترجمة قصائد ووردزورث الحماسية إلى العربية التي قدمتها له فريا ستارك. وقد قام مكتب الإعلام بنشرها في كتاب وزع منه ألفي نسخة في بضعة أيام. وسردت فريا ستارك ذلك في كتابها (الشرق هو الغرب) على النحو الآتي: “كنت أقرأ (السونيتات) التي ردّ بها ووردزورث، ما بين عامي 1801 و1806 على غزو بريطانيا، عندما تبيّن لي أن الكتيبات والملصقات وكل ما بعثته إلينا مكاتب الإعلام في لندن إلى هذه اللحظة لم يكن مجديا أو غير مناسب إثر إغلاق البحر الأحمر. وسألت نفسي عمَّ إذا كانت سونيتات ووردزورث يمكن أن تثير حماس السكان العرب في عدن في زمن المخاطر الذي نعيشه. وأعطيتهم إلى علي محمد ليأخذهم إلى منزله. وقد أتى إلى المكتب في الصباح التالي والبريق يملأ عينيه، حاملا اثنتين من السونيتات مترجمة إلى العربية شعراً. “هذا، قال لي بحماس واندفاع، هذه القصائد للعرب، إنها بطولية!” وكنا نعتقد أن عدد القراء في عدن والمدن الساحلية المجاورة محدود، ويمكن أن نكتفي بطباعة خمسمئة نسخة من السونيتات في مجلدات صغيرة. لكن ستيوارت بيراون [مدير المكتب] قام بطبعها في ألفي نسخة بيعت جميعها، وطُلِب منها المزيد. كان علي محقاً؛ لقد حملت كلمات الشاعر [ووردزورث] دنكيرك مباشرة إلى قلوب العرب”.
وعند بدء تعرض عدن للغارات الإيطالية في صيف عام 1940، بادرت فريا ستارك إلى اقتراح تشكيل ثلاث فرق من الشباب العرب للعمل التطوعي: حراسة الشوارع والمنازل أثناء الغارات الجوية الإيطالية. وتقول إن السلطات البريطانية، التي لم تعترض على ذلك، لم تقدم أية مساعدة، وتضيف: “بل أن الجيش المرهق والسلطات المحلية اعتبرونا إحدى المخلوقات الوهمية، إن لم نكن آخرها. لكنّا شعرنا أن ما قمنا به كان إيجابيا، على الأقل للهواة الذين يسعون إلى المشاركة في الدفاع عن أنفسهم. وحينما خططنا للتدريب في مجموعات مسلحة، أخبرنا البريق الذي يشع من عيني علي لقمان إننا على صواب، ولمحتُ البريق نفسه في الصباح عندما أخذتْ إحدى السفينة عدداً من نسائنا، وتبيّن لعلي أنني لم أكن بين المغادرات. وفي تلك الفترة، كان علي لقمان يقوم بمهمة المراقبة، وحينما يسمع صوت الإنذار من الغارات الجوية يهرع مهرولا من طاولته، سعيدا أن تُسند إليه مهمة في الخارج. وفي الطريق كان يحب أن يرفع معنوية السيد فرامروز الذي، على الرغم من عناده، كان يرتجف في كرسي وضعه في سطح المبنى، مقتنعا أن السماء الزرقاء هي المظلة الآمنة من القذائف والشظايا”.
كما عبّرت فريا ستارك عن إعجابها بشخصية الشاب علي لقمان وحماسه وبلاغته ومواهبه الشعرية في الفصل الثالث من كتابها (الشرق هو الغرب)، قائلة: “تدريجياً عثرتُ على ما يقف وراء ثقة علي: إنه يؤمن بما كنا نحارب من أجله. فبالنسبة له، كانت كلمات النصوص الهجائية المشحونة بالمعاني الصادقة كلمات حيَّة. فحتى الآن لم يكن لدى الإنسان العربي الوقت ليفكر في الكلمات من الزاوية الدعائية أو الترويجية، وهو لا يزال يربطها بوجود الله، بطريقة غامضة”.
Comments are Closed