موقع ثقافي تعليمي

فن السيرة الذاتية عند عبد الله باوزير وكريم معتوق

 

أ.د. مسعود عمشوش

يحتوي التراث العربي القديم على عدد كبير من النصوص التي يرى الدارسون اليوم أنها تدخل في إطار فن السيرة الذاتية (أو الترجمة الذاتية)، منها (كتاب الاعتبار) لأسامة بن منقذ، و(المنقذ من الظلال) للغزالي، و(التحدث بنعمة الله (لجلال الدين السيوطي، و(النكت العصرية في تاريخ الوزراء المصرية (لعمارة اليمني، و(التعريف بابن خلدون ورحلته غربا وشرقا).

ولا شك أن جميع تلك النصوص العربية تتضمن كثيرا من ملامح السيرة الذاتية كما قعّد لها الناقد الفرنسي فيليب لوجون، وهو ما دفع عددا من الباحثين الأكاديميين الأمريكيين إلى التأكيد بأن هناك من الغربيين من “غالط” حينما زعم أن كتابة السيرة الذاتية فن غربي في المقام الأول، وقد ذكر أولئك الباحثون أن الدافع الرئيس لكتابة السيرة الذاتية عند العرب كان في الماضي  يكمن في الرغبة للامتثال لأمر الخالق بالتحدث بنعمِهِ؛ “أما بنعمة ربك فحدث”، وذلك بهدف تحفيز القارئ على الاقتداء بهم وبسلوكهم الحميد، في حين أن الغربيين كانوا يكتبون سيرهم الذاتية رغبة في الاعتراف بأخطائهم وتحذير القارئ منها.

ومن المسلم به أن السيرة الذاتية قد غدت جنسا أدبيا واسع الانتشار في كثير من الآداب الغربية الحديثة منذ أن نشر جان جاك روسو (الاعترافات) في منتصف القرن الثامن عشر. بينما ظلت أشكال كتابة الذات بما فيها السيرة الذاتية محدودة في الأدب العربي الحديث، بسبب ضيق هامش الحرية الإبداعية والفكرية والاجتماعية التي مُنِحت للقلم العربي، وتتداخل في كثير من الأحيان مع الكتابة الروائية. بل يزعم بعض النقاد أن عددا من الأدباء العرب يفضلون تناول جوانب من تجاربهم الذاتية في قصصهم ورواياتهم السير ذاتية التي يستطيعون فيها التصدي بحرية لمختلف الموضوعات والتابوهات.

ومع ذلك، فمنذ بداية ثمانينات القرن العشرين، أقدم عددٌ من العرب، لاسيما من بين الكتاب الكبار سنا وتجربة وإنتاجا، على نشر سيرهم الذاتية. فخلال العقود الأربعة الماضية ظهرت )البئر الأولى(، و(شارع الأميرات) لجبرا إبراهيم جبرا، و(أوراق العمر) للويس عوض، و(أوراقي .. حياتي) لنوال السعداوي، و(حملة تفتيش.. أوراق شخصية) للطيفة الزيات، و(رحلة جبلية – رحلة صعبة)، و(الرحلة الأصعب) لفدوى طوقان، و (صور من الماضي) لهشام شرابي، و(مرايا ساحلية: سيرة مبكرة) لأمير تاج السر، و(غربة الراعي) لإحسان عباس، و(مجرد ذكريات) لرفعت السعيد، و(سيرة حياتي – 1) لعبد الرحمن بدوي، و(مسارب – 1) لأمين مازن، و (سيرة الفتى الأحمر) لفواز الطرابلسي، و(ذكريات الأدب والحب) لسهيل ادريس.. وغيرها. وقد لفت هذا الانتشار لنصوص السيرة الذاتية في الأدب العربي انتباه د. جابر عصفور، مؤلف (زمن الرواية)، ودفعه إلى التأكيد أنه “ينبغي أن نستبدل بشعار زمن الرواية شعار زمن القص أو زمن السرد لندخل فيه كتب السّيَر التي يكتبها المؤلفون عن الأعلام الذين شغلوا الدنيا والناس، أو التي يكتبها عن أنفسهم هؤلاء الأعلام”.

وعلى الرغم من هذا الارتفاع النسبي لعدد نصوص السيرة الذاتية في الأدب العربي، وإقبال عدد كبير من الأدباء والمثقفين على قراءتها، يُلاحظ أن الاهتمام بفن السيرة الذاتية، كتابة ونقدا، لا يزال محدودا في الجزيرة العربية بشكل عام وفي الإمارات العربية المتحدة واليمن  بشكل خاص. وفي الحقيقة لم أستطع حتى الآن القيام برصد مدونة كتابة الذات التي أنجزها الكتاب الإمارتيون واليمنيون. وفي ظل غياب مثل هذا الرصد أو أي دراسة سابقة لأدب السيرة الذاتية في الإمارات أو اليمن، رأيت أن أقوم بقراءة سريعة لكتاب الشاعر كريم معتوق (سيرة ذاتية تشبهني، الطريق إلى الحياة، نبطي للنشر، أبوظبي 2015)، الذي يُعد من نصوص السيرة الذاتية النادرة التي ظهرت مؤخرا في الإمارات العربية المتحدة، ثم بقراءة مشابهة لكتاب (استعادة الزمن المفقود) الذي قدمه القاص اليمني عبد الله سالم باوزير بوصفه سيرته الذاتية.

لماذا التشابه وليس التطابق؟

يعرف فليب لوجون، في نصه المرجعي ((L’autobiographie، السيرة الذاتية بأنها سردٌ استعادي نثري يقوم به شخص واقعي عن وجوده الخاص، وذلك حينما يركز على حياته الفردية، وعلى تاريخ شخصيته بصفة خاصة. ويفصّل لوجون تعريفه قائلا: “يعتمد هذا التحديد على عناصر تتعلق بـوضــع المؤلف وتطابقه مع الراوي، وموقف الراوي وتطابقه مع الشخصية الرئيسية، ومنظور النص: سـرد استعادي نثري، والموضوع المعالج: حياة فرد، أو تاريخ شخصية. وعليه فالسيرة الذاتية تفترض التطابق الحقيقي بين شخصية المؤلف وشخصية الراوي.

ونحن هنا نسلم مع فيليب لوجون أن معظم نصوص السيرة الذاتية تعتمد السرد والنثر. ومع ذلك هناك عددٌ من السير الذاتية التي كُتِبت شعراً، منها سيرة الشاعر الفرنسي الكبير فيكتور هوجو الذي يقدم ديوانه الرئيس (التأملات) على أنه سيرتُه الذاتية. وفي الأدب العربي كتب محمود درويش ملامح من سيرته الذاتية في أربعة من مؤلفاته هي: (يوميات الحزن العادي)، و(ذاكرة للنسيان)، و(في حضرة الغياب)، و(أثر الفراشة)، وقد مزج في بعضها الشعر بالنثر. ونعثر على الظاهرة نفسها عند الشاعر اليمني عبد العزيز المقالح، الذي، منذ بداية هذه الألفية شرع في نشر سلسلة من النصوص تحمل كلها في عنوانها كلمة (كتاب… منها: كتاب القرية، وكتاب الأصدقاء وكتاب صنعاء)، وتمزج جميعها بين الشعر والنثر، ويعترف المقالح أنه تناول فيها سيرته الذاتية.

وكذلك فعل الشاعر كريم معتوق في نصه الذي بين أيدينا. وفي رأينا أن مزج الشعر بالنثر في النص لا يعني – في حد ذاته أو بالضرورة- غياب التطابق بين شخصية المؤلف وشخصية الراوي، وبالتالي لا يبرر مزج الشعر بالنثر رغبة كريم معتوق في وضع كلمة (تشبهني) – التي تلغي التطابق التام بين المؤلف والراوي- في عنوان كتابه. فمن اللافت حقا أن كريم معتوق يلجأ إلى تبرير إضافته لكلمة (تشبهني) في العنوان بمزجه الشعر بالنثر فيها، كما أنه يرى أن الشعر يحرّف الحقيقة ويعطي مساحة واسعة للخيال والكذب، وهو ما يتنافى مع معيارية فن السيرة الذاتية وواقعيتها اللازمتين لتطابق شخصية المؤلف مع شخصية الراوي؛ فهو يكتب في مقدمة نصه: “وأسميته سيرة ذاتية تشبهني لوجود الشعر فيه بشكل متلازم مع الحدث، حيث يحرّف الشعر الحقيقة عن موضعها حين يردفها بالخيال، ولكي لا تكون بتلك الدقة التي تحملها السير الذاتية عادة فتخسر ألق الأدب”.ص6

والغريب أن الشاعر كريم معتوق، حين (يحلل) الكذب والخيال في الجزء الشعري من السيرة الذاتية، فهو بالمقابل (يحرمه) في الجزء النثري منها، وذلك عندما يكتب: ” فالشاعر والكاتب بشكل عام هو المعني الأول بما يقدمه للقارئ شريطة ألا يكذب في السرد، وله أن يقول ما شاء في الشعر من خيال ومبالغة وكذب أدبي محبب، فأنا أضع بين يدي القارئ سيرة شعرية ترتدي الذاتية لباسا ملازما لها”.ص7

سيرة ذاتية لتسويغ الشعر والعشق:

في اعتقادي، إذا كان جان بول سارتر قد كرس كتابه (كلمات)، الذي يُعد سيرته الذاتية، ليفسر لنا الأسباب التي جعلت منه كاتبا عاشقا للكلمة، فكريم  معتوق يسعى، في ما يشبه سيرته الذاتية، إلى تقديم الأسباب التي جعلت منه شاعرا. وفي الوهلة الأولى يبدو لنا الكتاب وكأنه سيرة ذاتية تقليدية تبدأ بالولادة. لكنه -الكتاب- لا يبدأ بولادة كريم معتوق، الإنسان العادي، بل بولادة كريم الشاعر. فهو يستهل سيرته قائلا: “لم أولد مصادفة كغيري، ….. جئت من سبب خجول، كنت أريد أن أكون ولدا ﻷنني كنت أريد أن أكون شاعرا”. ص9

ومن الواضح أن كريما يربط الشعر بالعشق. وإذا كان يقول إن الشعر قدره، فالقدر بالنسبة له هو الحب. فتسويغ الشعر يعني تبرير العشق؛ “لقد كان الشعر قدري بسن مبكرة، فحملني على جناحيه إلى المراهقة قبل مجايليني، وأدخلني من بوابة العشق الكبيرة، علمني السهر يسن مبكرة، وعرفني بالأنا واﻵخر بي، وأسرّ لي بمتعة القراءة فكتمت سري، وأرشدني إلى الرسم فكانت رسمتي الأولى قلبَ الحبِّ المثقوب بسهمٍ وتسيل منه الدماء بحرفين عليه”. ص13

ويكرس كريم الجزء الأكبر من نصه للشعر، فيتحدث مطولا عن مصادر إلهامه الشعري ومفهومه للشعر، و”القصيدة الجيدة”، فالشعر بالنسبة له موهبةٌ، وقدرٌ من الله، ولا يمكن تعلمه، “ولا يشكل التعليم والقراءة إلا تجميلا وتقوية للشاعر، ولكنها لا تصنعه، وما دليل أوضح من أن النقاد ومدرسي اللغة العربية الذين يعرفون أوزانها وصرفها ونحوها لا يكتبون الشعر”. ص42 ومع ذلك فالطفل كريم كثرت زياراته للمكتبة وقرأ صغيرا دواوين نزار وأمين نخلة وعمر أبو ريشة وبدر شاكر السياب وإيليا أبو ماضي؛ “وهو أهم شاعر عربي لما صنعته به قصيدته الطلاسم”. ص43

ومادامت سيرة كريم سيرةً للشعر فقد ضمنها تعريفا للقصيدة الجيدة، فهو يرى أن “القصيدة الجيدة، بتعريف مبسط، هي القصيدة التي استطاع الشاعر إخفاء الصنعة فيها، إخفاء أدواته فيها، فالقصيدة هي نتاج ورشة ذهنية وعاطفية، وأدوات هذه الورشة تظهر وتختفي من شاعر إلى آخر، وحين يقال عن قصيدة بأنها ضعيفة، فمن جهة أخرى يكون التلقي قد اكتشف فيها الصنعة، أو أنه استمع إلى صوت المطارق والمنشار في القصيدة…” ص162

ويصور كريم الأيام التي قضاها في المدرسة الثانوية وكأنها أيام شعر وليس أيام دراسة. ويؤكد أن الشعر كان مدرسته الأولى: “لقد علمني الشعر الحياة قبل كل المعلمين”.ص16 وعلى الرغم من تدنِّي مستواه في مادتي اللغة العربية واللغة الإنجليزية، فقد “كان الشعر ملازما له في كل مكان يذهب إليه”، ويذكر أن أول قصيدة نشرها كانت حول (دلال المغربي) الفتاة الفلسطينية التي قامت بعملية داخل فلسطين واستشهدت أثناء محاولة المسعفين لها”. ص49 لكن لم تكن فلسطينية أول “كائنة شعرية” عشقها الشاعر الشاب كريم، بنت الجيران التي وبخته لتلصصه على زوجة جاره الحلاق الفلسطيني جمال الذي أقسم ألا يصلي إلا بعد تحرير القدس.

ويعترف كريم أن الشعر قد اغتال طفولته وبراءته، فقد توالت شخبطاته على الجدران ورسوماته لقلب الحب المجروح بالسهم، “ولم يكن هناك من تغير بها إلا الحرف الآخر المقابل لحرف الكاف، تغيرت الحروف كثيرا، وتغيرت معها أماكن الانتظار ووقت الانصراف من المدرسة، ووقت المغادرة صباحا، وتغيرت البقالة التي أرتادها كذلك، وتغير أو كبر ذلك الطفل، لقد اغتال الشعر براءتي الأولى ولم أعتب عليه، فحاصرتني كائنات الشعر”.ص29

ويكرس كريم فصلا طويلا من نصه للحديث عن الوطن بوصفه مصدرا من مصادر إلهامه. وإذا كان يرى أن الوطن مصدر مهم من مصادر إلهام الشاعر فهو ينتقد ميل الشعراء إلى عدم استخدامهم هذا المصدر إلا في المناسبات، ويقول: “الوطن مصدر هام من مصادر اﻹلهام في تجربة الشاعر، وقد لاحظت أن غالبية الشعراء والكتاب لا يكتبون عن الوطن إلا في المناسبات الوطنية، وتكون كتاباتهم غالبا في حب الوطن دون البحث عن تفاصيل الحياة اليومية، كأن الوطن بعزته وأمانه ورخائه لا يمكن أن نراه واضح المعالم إلا في أيام معدودة بالسنة، وربما ساعد على ذلك الاهتمام الإعلامي الكبير بالمناسبات الوطنية، حيث يغيب عن اﻷجهزة اﻹعلامية الوطن طوال السنة”. ص80

أما بالنسبة له، فهو يقول:

 “سأكتب عنك يا وطني

بغير مناسبات العيد

لأنك ساكنٌ فينا

ﻷنك حاكمٌ وتزيد

أراك بكل سانحةٍ

تمد قصائدي بوريد”.

مستوى البوح في ما يشبه سيرة كريم معتوق الذاتية:

مقارنة بما تتضمنه كتابات السيرة الذاتية الغربية يُعد مستوى البوح في السيرة الذاتية العربية متواضعا جدا بشكل عام. وفيما يتعلق بالسيرة الذاتية لكريم معتوق، إذا ما استثنينا ما قاله الراوي عن علاقاته البريئة وغير البريئة، والمبكرة والمتأخرة، مع عدد كبير من الكائنات الشعرية: (الجارات، ونزيلات الفنادق التي سكنها في كثير من المدن في مختلف أرجاء المعمورة)، لن نجد هناك ما يمكن أن نضعه في خانة البوح في هذه السيرة الذاتية التي يقول المؤلف في نهاية مقدمته لها إنها “تشبهه تماما”.ص7، ويبدو أن القليل من البوح الذي يتضمنه النص يهدف أساسا إلى الرفع من القيمة الإنسانية للشاعر كريم. فهو كما ذكرنا يبدأ بالحديث عن ولادته، لكنه لا يتحدث عن جذوره، ويكتفي بالقول إنه ينتمي إلى “حزب الفقراء.. في تلك المرحلة”، أي في فترة الطفولة ص16. ويتحدث قليلا عن قيامه ببعض السرقات “الحميدة”، أي سرقة ما لا يريد، وهي سرقات لا تزال في ذمته حتى اليوم،ص17 وكذلك تفويت صلاة الجماعة في المسجد ص18، والولع المبكر برسمات القلوب و..العشق.

مبررات كتابة ما يشبه السيرة الذاتية:

تسردُ السيرة الذاتية عادةً تجربةِ شخصيةٍ ما في نهايةِ مسارها. أما كريم معتوق، الذي اتسم بالعجلة في تعاطي الشعر والعشق، فقد كان على عجلة من أمره أيضا في سرد حياته وتجربته التي لا تزال اليوم في أوجها. كما أنه يعترف أنه قد مارس الانتقائية في سرد ما مضى من حياته. وقد ضمّن نص سيرته عددا من المبررات للجوئه المبكر لكتابة السيرة الذاتية. ومن تلك المبررات محاولته استعادة توازنه من خلال استعادة الزمن الماضي والابتعاد عن ضجيج الحياة العامة؛ فهو يقول في نهاية نصه: ” (أدب السيرة الذاتية هو أدب الهروب إلى الذاكرة، والهروب الذي مارسته هنا، أعادني إلى ذاتي التي كادت أن تتبدد مني، بوفرة الحياة التي حولي، لقد أعادت لي توازني الذي أنشده، وتوافقي مع نفسي الذي يؤهلني للتوافق مع من حولي، فما أحوجنا للتوافق مع الأخر”ص188.

 ومن المبررات التي يسوغ بها كريم معتوق كتابته لفن السيرة الذاتية، وهو فن سردي في المقام الأول: محاولة الهروب إلى السرد؛ ومن المعلوم أن الشاعر كريم سبق أن مارس السرد في نصين روائيين هما: (رحلة إلى اسطنبول) و(ابن الخراز)، كما أنه مارس السرد في بعض قصائده، لاسيما في ديوانه (رحلة الأيام السبعة). وقد قال في إحدى مقابلاته الصحفية: “أزعم أنني ممن ساهموا في تكريس السرد في الشعر العربي وهو اتجاه لا يتقنه الكثير، أو لنقل لا يحبه الكثير أو لا يكتبه الكثير أو لا يستطيعه الكثير”.

وعلى الرغم من أن كريم يشير في نهاية مقدمة سيرته إلى أن معظم القصائد التي يتضمنها الجزء الشعري من نصه لم تنشر من قبل فمن المؤكد أن القارئ سينجذب أكثر- في رأيي- إلى الجانب النثري السردي من الكتاب ، إذ أن عددا من القصائد المهمة التي تضمنها النص سبق إن نشرت في دواوين الشاعر، وبشكل رئيس في ديوانه: (هذا أنا).

وفي نهاية هذا العرض الموجز يمكن الإشارة إلى أن نص كريم معتوق مليء بالإحالات –التناصية- مع عدد نصوص من السيرة الذاتية العربية والأجنبية. فمن الصعب مثلا عدم تذكر (اعترافات) جان جاك روسو عند قراءة هذه الجملة التي يضمنها كريم (سرد الخاتمة): “في هذا الكتاب أزعم أنه هذا أنا بكل براءتي وخبثي وعنفي وليني، وبكل ما كنت عليها أعرضه للقارئ هنا، فهذا أنا”. ص187 أما آخر سطر في ما يشبه سيرة كريم معتوق “أنا ها هنا قد جئت أقترف الحياة” فيحيلنا إلى حكيم معارة النعمان.

bawzeer

استعادة الزمن المفقود للقاص عبد سالم باوزير

هناك عدد كبير من الشخصيات اليمنية التي بادرت إلى نشر نصوص تقع في إطار كتابة الذات، لكن معظم تلك النصوص تركز على دور مؤلفيها في الشأن العام أكثر من تناولها للحياة الشخصية للمؤلف، لذلك فهي تدخل في جنس المذكرات وليس السيرة الذاتية. وفي الحقيقة قليل هم أيضا الأدباء اليمنيون الذين بادروا إلى نشر سيرهم الذاتية. ومن بين هؤلاء يتميز القاص عبد الله سالم باوزير بنشره لثلاثة كتب تدخل كلها في إطار السيرة الذاتية: (سفينة نوح واستعادة الزمن المفقود وأنا والحياة). وقد رأينا أن نقوم هنا بقراءة سريعة لكتاب (استعادة الزمن المفقود) الذي أصدره القاص عبد الله سالم باوزير عام 1998. وبعد أن نتأكد في السطور الآتية من مدى مطابقة نص (استعادة الزمن المفقود) لمعيارية جنس السيرة الذاتية، سنقوم بدراسة الأبعاد السردية والقصصية فيه، ثم سنتناول أثر أسلوب “مزج باوزير بين العام والخاص” في تلك الأبعاد السردية والقصصية.

 1- استعادة الزمن المفقود ومعيارية فن السيرة الذاتية

من المعلوم أن السيرة الذاتية جنس أدبي أثار وما زال يثير جدلا مستمرا حول طبيعته كجنس أدبي منفصل أو متداخل مع أجناس أدبية أخرى. وهذا الجدل النقدي لم يحسم حتى في اللغات الأوروبية التي أضحت السيرة الذاتية من أهم الأجناس الأدبية فيها. فحتى الناقد الفرنسي فيليب لوجون لم يصل في كتابيه (السيرة الذاتية، وميثاق السيرة الذاتية) اللذين يعدان اليوم مرجعين أساسيين في نقد السيرة الذاتية، إلى استنتاجات نهائية وحاسمة.

والسؤال الذي سنحاول الإجابة عنه هنا هو: هل يحتوي كتاب (استعادة الزمن المفقود) على عدد كاف من العناصر التي تجعلنا نؤكد أنه السيرة الذاتية للقاص اليمني عبد الله سالم باوزير؟

يؤكد فيليب لوجون في كتابه “ميثاق السيرة الذاتية” أن أي سيرة ذاتية تفترض نوعا من الاتفاق بين المؤلف والقارئ بشأن طبيعة النص. وبموجب هذا الميثاق يحتوي النص على ما يثبت أن الأحداث التي يستعرضها الكاتب هي وقائع أو حقائق تاريخية وأن الشخصيات المقدمة في النص هي لأفراد حقيقيين. والميثاق هنا نوع من العرف الأدبي ويتكون من علامات تدل على طبيعة النص الأدبي داخل النص نفسه أو في هامشه: كالعنوان والعنوان الفرعي والمقدمة والتصدير وكلمة الغلاف الخلفي وكلمة الناشر. وفي ظل غياب مثل تلك العلامات في هامش كتاب (استعادة الزمن المفقود) بحثنا داخل النص نفسه ووجدنا أن المؤلف عبد الله سالم باوزير يقدم لنا نصه باعتباره سيرته الذاتية. فهو عند حديثه عن البيت الذي سكن فيه حين وصوله أول مرة إلى عدن سنة 1954، يكتب “هذا السكن هو الذي استوحيت منه (سفينة نوح) التي نُشرت مسلسلة عام 1971 في مجلة (الفنون) ثم صَدرت في كتيب سنة 1981. وهذا النص هو جزء من قصة حياتي وحياة من عاش في تلك الفترة والتي سأنقل لكم نتفا منها خلال هذه السيرة لأنها تعد محطة مهمة من حياتي وجزءا من تاريخ عدن في تلك الفترة التي عشت فيها منذ وصولي عدن عام 1954 وحتى قبيل الاستقلال”. كما يتحدث عن (استعادة الزمن المفقود) كجزء من سيرته الذاتية في الفصل الثالث عشر.ص 117

وبالإضافة إلى ذلك، في (استعادة الزمن المفقود) هناك تطابق تام بين المؤلف عبد الله سالم باوزير الذي يبرز اسمه في الغلاف والراوي الذي يسرد الأحداث بضمير المتكلم والشخصية الرئيسة التي يتم سرد حياتها: القاص اليمني عبد الله سالم باوزير. فمن الواضح أن الهدف الرئيس الذي يسعى مؤلف (استعادة الزمن المفقود) إلى تحقيقه يكمن في شرح الكيفية التي تكوّن بها القاص اليمني عبد الله باوزير.

فالسيرة الذاتية – كما هو معلوم – أداة للتعبير عن شخصية تشعر بتميزها وتفردها. وبعكس بعض الشخصيات اليمنية التي أقدمت على نشر سيرها الذاتية نتيجة – على ما يبدو- لشعورها بأهمية الدور الذي قامت به في الحياة الاجتماعية أو السياسية لليمن (مثل مؤلف “خمسون عاما في الرمال المتحركة قصتي مع بناء الدولة الحديثة في اليمن” أو مؤلف “من بيروت إلى حضرموت: سيرة اجتماعية سياسية ذاتية، أو مؤلف “شاهد على العصر”)، نعتقد أنّ مؤلف (استعادة الزمن المفقود)، عبد الله سالم باوزير يشعر أن تميزه وتفرده اللذين يبرران إقدامه على نشر سيرته الذاتية يكمنان أساسا في كونه قاصا. لهذا فهو يكرس الجزء الأكبر من نصه لعرض المكونات التي أسهمت في دفعه تجاه الكتابة القصصية. فهو يركز على رصد العناصر التي خلقت لديه حب فن القص ونمته وأصلته. فيذكر أنه في أول مدرسة التحق بها في غيل باوزير (مدرسة الحصن) لم يجذب انتباهه إلا “أستاذ فاضل” كان يروي للتلاميذ كثيرا من الحكايات والأساطير تحت شجرة بيدان ضخمة. ص 59

وليس من الغريب أن يحظى المؤرخ سعيد عوض باوزير باهتمام كبير في كتاب (استعادة الزمن المفقود). فلهذا الخال – وتحديدا لمكتبته – دور استثنائي في تربية القاص عبد الله سالم باوزير وغرس حب القراءة فيه حينما كان طفلا. فهو يعترف: “كان لمكتبة خالي المؤرخ سعيد عوض باوزير الدور الرئيس في تعلقي بالقراءة؛ فقد كانت تلك المكتبة تحتوي على العديد من الكتب المتنوعة وعدد من المجلات والصحف العربية التي كانت تصل إليه بانتظام على الرغم من صعوبة المواصلات في تلك الفترة” (ص 60) ففي تلك المكتبة قرأ باوزير الصحف والمجلات مثل (سندباد وآخر ساعة والهلال) وعددا كبيرا من الكتب مثل سلسلة كامل كيلاني والابراشي للأطفال، وكذلك كتاب ألف ليلة وليلة، وسلسلة أرسين لوبين وروايات جرجي زيدان وبعض الروايات الأجنبية المترجمة التي تنشر في سلسلة روايات الهلال. وفي الفصل الثامن عشر (ص151)، يشير عبد الله باوزير أنه بعد وصوله مباشرة إلى عدن في منتصف الخمسينات من القرن الماضي توطدت علاقته بمكتبة البلدية (ليك) التي كانت تضم كثيرا من الكتب العربية الأجنبية المترجمة، ويؤكد أنه قرأ فيها “كل مؤلفات الكاتب الأمريكي أرنست همنجواي إلى جانب كتاب من فرنسا مثل موباسان وفيكتور هوجو. ومن بريطانيا تعرف على سومرست موم وبرنارد شو وغيرهم”.

ويذكر باوزير كذلك أن من أهم الروافد التي أسهمت في تكوينه الثقافي والأدبي النشاط المسرحي الذي كانت تنظمه المدرسة الوسطى بالغيل حينما كان الطفل باوزير في عامه الدراسي الثاني. ففي هذه المدرسة شاهد عروضا لمسرحيات محلية ومسرحيات من روائع الأدب العالمي مثل مسرحيتي (عطيل) و(هاملت) لشكسبير، أو مسرحية (أوديب) لسوفوكليس.ص 61

ومما يؤكد انتماء (استعادة الزمن المفقود) إلى جنس السيرة الذاتية طبيعة المادة التي يقدمها المؤلف في الكتاب. فمن السهل أن نتبيّن أن عبد الله سالم باوزير يتناول في هذا الكتاب مختلف جوانب حياته الشخصية في مرحلة الطفولة والشباب. فمقارنة بالأديب اليمني زيد مطيع دماج الذي لم يتحدث في نصه السير ذاتي (الانبهار والدهشة) إلا عن حياته في تعز ومصر وأغفل كل شيء عن حياته في القرية، يتناول باوزير طفولته في غيل باوزير ويقدم لنا تفاصيل دقيقة عن عائلته ولاسيما شخصيتي الأم والأب. كما أنه لا يتردد في القول إن أباه قد أصيب بمرض نفسي خطير ومات مقيدا في (الجدلة). ويتحدث كذلك عن فقر عائلته ويقول إن جدته كانت “تحطب”، وأمه كانت تخيط بيدها لتسهم في توفير لقمة العيش.

لا ريب في أن عبد الله سالم باوزير قد برهن – من خلال تقديمه لتلك التفاصيل – على شيء من الجرأة التي يفتقدها كثير من السير الذاتية العربية التي صدرت في القرن العشرين. ومع ذلك يحق لنا أن نتساءل: هل أفصح باوزير حقا عن كل شيء؟ أم أنه قد أخفى بعض التفاصيل المتعلقة بحياته؟

يؤكد باوزير في كتابه (استعادة الزمن المفقود) على استقامته وطبعه الهادئ …. ففي الفصل الذي سماه “بين يدي الجنس اللطيف” مثلا، يتحدث عن كيفية اختيار خطيبته، وعن عدم مغازلته لزبوناته مثلما كان يفعل زميله عبد الرحمن في أول دكان لبيع الأقمشة عمل فيه في عدن. ومع ذلك فهو يعترف أنه قد تعلم من زميله فن كسب الزبائن من الجنس اللطيف حيث يقول: “وفعلا بدأت أتعلم منه طرقته متتبعا كل خطواته، وإن لم أكن أحمل سحره الذي كان يفتن به بعض الصبايا إلا أنني استبدلت طريقته تلك بدماثة الخلق وبكلمات الترحيب التي أغدقها عليهن”. (ص12)

وتجدر الإشارة إلى أن الحياء يمكن أن يمنع مؤلف السيرة الذاتية من ذكر أمور تخصه هو وكذلك أمور تخص الناس الآخرين المشاركين معه في الأحداث. ولا يتعلق الحياء بالأمور العاطفية فقط (كما قد يتبادر إلى الذهن) بل يتعلق أيضا بمعلومات قد يتنافى ذكرها مع القيم والأعراف الاجتماعية. هكذا نلاحظ أن باوزير لا يتردد أحيانا في ذكر كثير من الأسماء الحقيقية للناس الذين يحيطون به. لكنه يخفي بعضها الآخر. فهو يذكر مثلا اسم التاجر بامطرف، لكنه يضع نقط مكان اسم أول تاجر عمل عنده في عدن (الحبيب…….). ( ص 133) ويمكن أن نشير كذلك إلى أن باوزير قد تحدث مرات عدة عن خاله وجده لأمه، لكنه لم يقل كلمة واحدة عن جده لأبيه.

2-  الأسلوب القصصي في سيرة باوزير

يعتمد عبد الله سالم باوزير في كتابه (استعادة الزمن المفقود) على أسلوب “نثري استعادي” أي سردي، لا يختلف كثيرا عن الأسلوب الذي استخدمه في مجموعاته القصصية وفي كتابه (رحلة إلى بومبي) وكتبه الأخرى. وقد سبق أن قمنا بدراسة سابقة أثبتنا فيها مدى افتتان باوزير بفن السرد، وإتقانه. ونكتفي هنا بالتأكيد على أن الأبعاد السردية التي تبرز في معظم فصول هذه السيرة الذاتية تجعلها أشبه بحكاية تمتد في عدد من الفصول.

ومن أهم العناصر القصصية التي استخدمها عبد الله باوزير في سيرته: الحوار. فالفصل الأول من الكتاب ينتهي بالحوار الذي سمعه المولود الجديد يدور بين أمه وأبيها عوض الذي كان يريد أن يُسمى المولود باسمه. وفي الفصل الثاني يستخدم المؤلف أسلوب الحوار بشكل ذكي ليقدم بعض المعلومات المتعلقة بالكيفية التي تم بها زواج أمه من أبيه وطلاقهما لفترة محدودة تزامنت مع تاريخ ميلاده. (ص47-48) ويؤكد عبد الله سالم باوزير أن أمه قد أخبرته بتلك التفاصيل (بعد أن بلغت السبعين!!) خلال حوار دار بينه وبينها في عيادة طبيب أسنان. (ص 49) ومن أبرز المواقف التي لجأ باوزير فيها إلى الحوار في الفصل السادس (أبي) الذي يتضمن قصة السيد ورفيقه الجني عمروش بن همروش الذي أحضر الحلوى الحارة من المكلا “بسرعة تفوق سرعة الطائرة الكونكورد أضعافا مضاعفة”. ص68

وبالإضافة إلى ذلك، يمكننا أن نلاحظ أن باوزير يعمد أحيانا إلى استخدام بعض تقنيات القصة القصيرة الخيالية في صياغة بعض جوانب من حياته. فهو في الفصل الأول من سيرته الذاتية، يحكي لنا لحظة ميلاده بطريقة فنية تقترب من أسلوب الفانتازيا وذلك حين يمزج بين أنا الراوي والأنا المروية ويجعل المولود هو الذي يحكي اللحظات الأولى التي قضاها في هذه (الدار) الدنيا على النحو الأتي: “في مخزن مظلم، بين قفف التمر، وبجانب جحر للفئران، وفي الموقع الذي وضعت فيع قطتنا صغارها منذ أسبوع، سقط رأسي قضاء محتوما، ومنذ تلك اللحظة من فجر اليوم الثامن من ذي الحجة سنة 1357هـ 30 مارس 1938 صرت واحدا من سكان كوكبنا الأرضي، ومن فصيلة بني البشر بالذات، عليّ ان أتطبع بطباعهم وأحذو حذوهم في حماقاتهم….وزاد صراخي شراسة حينما رأيت بقعا من الدم قد غطت أرضية ذلك الكوكب من تحتي. لكني بعد حوالي نصف ساعة أحسست بالسكينة عندما غسلوني ونظفوني ووضعوني في فراش لين في مكان معتم”. ص 45

إن هذه الأمثلة تبيّن لنا أنه يمكننا أن نقرأ (استعادة الزمن المفقود) بوصفها نموذجا لسيرة قاص اشتهر بتداخل الواقعي والمتخيل في حياته وأدبه. فمن جهة، لا ريب أن عبد الله باوزير قد استطاع أن يستفيد من حياته في إثراء قصصه القصيرة، بتجربة عميقة وواسعة، جعلت منها أعمالاً أدبية لها نكهتها المميزة. فكما يسعى القاص باوزير في (استعادة الزمن المفقود) إلى تفسير تكوينه، فهو يقوم كذلك بتقديم بعض “المفاتيح” لقراءة عدد من جوانب قصصه القصيرة. فهو لا يتردد مثلا في تحديد بعض الشخصيات الواقعية التي تعرّف عليها في طفولته ويؤكد أنه قد اعتمد عليها لتصوير بعض شخصياته الخيالية. فيذكر مثلا أنه قد استخدم أحد زملاء الدراسة في مدرسة الحصن، الذي “خلق بشيء من البلادة”، ليرسم شخصية بطل قصته الطويلة (يا طالع الفضاء.

3- المزج بين الخاص والعام ( وتعليق السرد)

بما أن موضوع السيرة الذاتية هو “حياة المؤلف وتاريخ شخصيته” كما يقول فيليب لوجون، فأي سيرة ذاتية تتضمن بالضرورة عددا كبيرا من التفاصيل المتعلقة بحياة المؤلف. وهذا ما نجده في (استعادة الزمن المفقود). لكن هذا لا يعني أن عبد الله سالم باوزير لم يتناول في كتابه بعض الموضوعات والأحداث التاريخية العامة التي لا تلتصق مباشرة بتجربته الشخصية. فجنس السيرة الذاتية لا يقف عند تعرية الذات، بل يسعى كذلك إلى تسليط الضوء على المحيط الاجتماعي والزمني الذي تتحرك في إطاره تلك الذات. وقد استطاع باوزير أن يمزج ببراعة بين تفاصيل حياته الشخصية وبين الأحداث التاريخية التي التقطها من ذاكرته. فهو يضمن سيرته الذاتية أبرز الأحداث السياسية والاجتماعية التي وقعت في أثناء الفترة التي تناولها وذلك على مستوى اليمن وعلى مستوى الوطن العربي.

ففي نهاية الفصل الثاني عشر مثلا (ص 112) يتحدث باوزير عن حادثة القصر الشهيرة التي جرت في مدينة المكلا في 27 ديسمبر سنة 1950. ويذكر أنه قد استوحى منها لوحة فنية ومن تلك اللوحة استمد قصة قصيرة للأطفال نشرها في مجلة (وضاح) في نهاية الثمانينات. وينهي هذا الفصل بالحديث عن قيام الثورة المصرية في يوليو 1952 ويؤكد أنها قد أثرت تأثيرا كبيرا في تكوينه الثقافي والوطني”.

وفي بداية الفصل الثالث والعشرين يستطرد المؤلف في الحديث عن غليان الأجواء السياسية والوطنية في حضرموت بتأثير ثورة يوليو المصرية بقيادة عبد الناصر. ويشير إلى أن “الوعي الوطني أخذ ينتشر بين الشباب المتعلم وبعض فئات الشعب, وساعد في ذلك تحرر بعض الأقطار العربية والأفريقية في تلك الفترة”. أما في الفصل السابع عشر فيكتب “في هذا العام وصل إلى عدن الموسيقار فريد الأطرش ليقيم بعض الحفلات الغنائية لحساب رجل الأعمال حسين خذا بخش. وقد عاشت عدن أياما ممتعة وحافلة بالفن المصري الأصيل. وكان فريد الأطرش مكان حفاوة من كل أفراد الشعب اليمني”. (ص 142) وبالإضافة إلى ذلك كرس باوزير الفصلين العاشر والحادي عشر بأكملهما (من ذكرياتي في شهر رمضان وأفراح العيد ص 91-106) لتقديم عدد من التقاليد والعادات في غيل باوزير. و قد أدى هذا التقديم إلى اختفاء شخصية المؤلف والأحداث من هذين الفصلين. ونتج عن ذلك توقف السرد الذي حل في مكانه العرض والتقديم.

 

Comments are Closed