ظواهر سادت ثم بادت (1) الرسائل الورقية
مسعود عمشوش
منذ أقدم العصور، تُعدُّ الرسائل بمختلف أنواعها إحدى مقومات التواصل بين البشر؛ بين القادة المسئولين، وبين الأقارب المتباعدين، وبين الأحباب والعشاق المفرقين. وقد عرفت البشرية وسائل مختلفة للتواصل الشفهي أولا، ثم التراسل المكتوب في الجلود وأوراق البردى وسعف النخيل والأوراق وغيرها. وإضافة إلى الرُّسُل من البشر، استخدمت الخيول والكلاب والحمام الزائل، قبل السفن والقطارات والطائرات، لنقل الرسائل الورقية المكتوبة. وفي الحضارة العربية الإسلامية اكتسبت مهنة كتابة الرسائل أهمية بالغة، وخصصت لها وزارة (تسمى ديوان) وكان لها تأثير بالغ في سطوع نجم عدد من الأدباء والكتاب الوصوليين الذين أصبحوا من أشهر الوزراء. أما في الغرب فلم يتم إنشاء مؤسسة (البوست Post أو البوسطة) التي ورثت كثيرا من مهام شركات النقل البحري la messagerie))، إلا في مطلع القرن التاسع عشر، وبسرعة فائقة أصبح البريد من أهم مؤسسات الدولة التي استوعبت عشرات الآلاف من الموظفين في كل دولة. وتهافت الناس والشركات على شراء علب البريد، وانتشرت صناديق البريد في معظم الشوارع الرئيسية في المدن.
وتعدّ عدن من أولى المدن في الشرق الأوسط التي مرت بمختلف مراحل تطور مؤسسة البريد الحديثة.
وحتى ثمانينيات القرن الماضي كنا نبدأ نهارنا وننهيه بالبحث عن الرسائل وسط علب البريد. لكن بعد اختراع البريد الالكتروني في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، أصيبت مؤسسات البريد بضربة قاتلة، واضطرت للاستغناء عن معظم موظفيها. وبشكل عام، اليوم تحولت مؤسسة البريد في بلادنا وكثير من البلدان الأخرى، من مؤسسة لتوصيل الرسائل إلى مؤسسة مصرفية تقوم بمهام مالية أهمها التوفير والتحويل.
ولا شك أن البريد الالكتروني قد وفر كثيرا من الوقت والجهد في عمليات التواصل الرسمي والشخصي. ومع ذلك خسر المتواصلون كثيرا من إيجابيات البريد الورقي، فرسميا تغيب عادة الأختام من الرسائل الالكترونية، ولا شك أن الأحباب لن يستطيعوا اليوم أن يرفقوا برسائلهم الرقيمة لا زهرتهم المفضلة المحنطة، ولا رشـّـة من عطرهم المميّز.
Comments are Closed