مــقــالات
now browsing by category
Posted by: مسعود عمشوش | on يناير 27, 2013

مقامات باعبود أ.د. مسعود عمشوش
تعد المقامات أحد الأجناس الأدبية السردية التي يتميّز بها أدبنا العربي. وهي نوع من القصص الخيالية، محشو بكثير من الشخصيات والأحداث والخطب والحوارات، ومصاغ بلغة جميلة. والمقامات، كما وضعها بديع الزمان الهمذاني المتوفى سنة 398هـ، تحتوي على شيخ يقوم بدور البطل، وراو يحكي لنا مغامرات ذلك الشيخ الذي يبرز دائما كرجل ذكي وذي اطلاع أدبي واسع، لكنه يختار الكدية، أي التكسّب بالحيلة والكلام البليغ، للحصول على المال. ولتسهيل الوصول إلى مآربه يصطحب عادة غلاما أو فتاة تشاركه حيله وحياته. وبعد وفاة بديع الزمان بحوالي مئة سنة وضع القاسم بن علي الحريري (446-516هـ) خمسين مقامة فاقت شهرتها صيت مقامات بديع الزمان الهمذاني وتعد اليوم أفضل نموذج لهذا الجنس في اللغة العربية. وقد قام الإيرانيون بتقليدها في أدبهم وترجمها الغربيون إلى لغاتهم. كما دفعت الشهرة الكبيرة التي حظيت بها مقامات الحريري كثيرا من المهتمين باللغة العربية وآدابها إلى دراستها وشرحها وتلقينها.
ومن ناحية أخرى، شرع عدد من الأدباء في تقليدها وتوظيفها لأغراض شتى. فهناك من ألف مقامات بهدف توصيل العظات الدينية والنصائح الخلقية إلى القارئ مثلما فعل أبو القاسم الزمخشري المتوفى سنة 538هـ، ومنهم من استخدم شكل المقامة ليتناول بشكل غير مباشر بعض الموضوعات الاجتماعية والسياسية. وقد استطاع فيكتور الكك أن يورد في نهاية كتابه (بديعات الزمان) أسماء أربعة وثمانين أديبا كتبوا مقامات في اللغة العربية قبل عصر النهضة؛ منهم من اقتدى بنهج بديع الزمان والحريري كابن الصيقل الجزري صاحب (المقامات الزينية) وناصيف اليازجي مؤلف (مجمع البحرين)، ومنهم من تحرر من القواعد التي وضعها بديع الزمان لفن المقامات. فالزمخشري مثلا لم يضع لمقاماته راويا أو شيخا. كما اختفت في هذه المقامات الكدية التي تعد من أهم العناصر المميزة للمقامة. ومع ذلك فجميع من ألفوا المقامات بذلوا قصارى جهدهم من أجل إبراز مقدرتهم البلاغية من خلال التزام السجع واستخدام البديع.
وفي اليمن اكتشف أهل الأدب فن المقامة في وقت مبكر. ونتيجة لإعجابهم الشديد بمقامات الحريري قام بعضهم – كالأديب محمد بن أبي القاسم الحبائي والأديب علي بن الحضرمي، بإفراد مجلدات عدة لشرحها، بل أن رجال الدين والمتصوفين الذين ينهون عادة عن قراءة الكتب الدنيوية كانوا يقبلون على قراءة مقامات الحريري ويطلقون عليها “طبق الحلوى”. ويبدو أن الأديب سعد بن سعيد المنجوي هو أول من كتب المقامات في اليمن وذلك في منتصف القرن السابع للهجرة. إلا أن مقاماته الخمس والعشرين التي ذكرها بامخرمة في كتابه (تاريخ ثغر عدن) لم تصل إلينا. ومنذ ذلك الحين، ألف الأدباء اليمنيون كثيرا من المقامات ذات القيمة الأدبية الرفيعة، إلا أن معظمها ظل – للأسف- حبيس المخطوطات التي تتآكل في رفوف المكتبات. وقد تفضل الباحث القدير عبد الله محمد الحبشي، في عام 1984، بجمع أربع وعشرين مقامة لكتاب يمنيين مختلفين ونشرها في كتاب أسماه (مقامات من الأدب اليمني). وفي عام 1987، أضاف عبد الله الحبشي إلى تلك المقامات ثلاث عشرة مقامة أخرى (سبق أن ضمن روبيرت سيرجنت ثلاثا منها كتابه: نثر وشعر من حضرموت) ونشرها جميعا في كتاب يحمل عنوان: (مجموع المقامات اليمنية).
وفي التصدير الذي يقدم به (مقامات من الأدب اليمني) يؤكد عبد الله الحبشي أن أدباء اليمن قد اتبعوا شكلين رئيسيين في صياغة مقاماتهم: أ- الشكل القصصي ب- شكل الحوار أو المناظرة، ويقول “ولم نجد في المجموعة التي بحوزتنا مقامات سلكت نفس النمط الذي صاغه الحريري في مقاماته”. ومع ذلك، خلال قراءتي في مطلع سنة 1989، لبعض المخطوطات في مكتبة الأحقاف في تريم، اطلعت بشغف كبير على (المقامات النظرية ذات الألفاظ الجوهرية) التي سلك مؤلفها الأديب اليمني أبو بكر بن محسن باعبود النهج الذي وضعه بديع الزمان والحريري للمقامات.. وبما أن الحبشي لم يذكر تلك المقامات في مقدمته ولا في مرجعه المهم (مصادر الفكر العربي والإسلامي في اليمن) فقد قمت بنسخها بهدف تحقيقها ونشرها. وقدمت دراسة عن (مقامات باعبود) في ندوة اللغة العربية التي نظمتها كلية الآداب والتربية- جامعة عدن في نوفمبر 1989. ولأسباب عدة لم استطع نشر المقامات كاملة. لكني في سنة 1990 نشرت في مجلة (الحكمة) تلك الدراسة مع أربع من المقامات التي طبعت لأول مرة، ويستطيع القارئ من خلالها التعرف على معظم السمات المميزة لمقامات باعبود.
ولد أبو بكر باعبود في نهاية القرن الحادي عشر للهجرة في بلدة بور الواقعة بين مدينتي سيؤن وتريم في وادي حضرموت. وفي سن مبكر سافر إلى الهند، ذلك المهجر الشرقي الذي نزح إليه آلاف من أبناء حضرموت خلال القرون الثلاثة الماضية. واستقر في ميناء سورت الذي يقع شمال مدينة بومباي. وقد انتهى هناك من تأليف (المقامات النظرية ذات الألفاظ الجوهرية) في مطلع جماد الثاني من عام 1128، أي قبل وفاته باثنتين وثلاثين سنة. ووفقا للمعلومات التي بين أيدينا لم يترك باعبود كتابا آخر من تأليفه. لكنه، خلال إقامته في الهند قام بجمع (ديوان عبد الله بن جعفر الحسيني العلوي)، وأورد في الصفحات الأولى من هذا الديوان، الذي توجد نسخة منه في مكتبة الأحقاف، بعض المساجلات الشعرية التي جرت بينه وبين صاحب الديوان.
وتقع (المقامات النظرية)، التي حرص مؤلفها أن يكون عددها خمسين مقامة أسوة بمقامات بديع الزمان والحريري، في مئة وتسع وسبعين صفحة مخطوطة من الحجم الصغير قام بنسخها أبوبكر عمر باجابر في مدينة سورت سنة 1193 هـ. وتوجد تلك الصفحات ضمن “مجموع” مخطوط تم إيداعه في مكتبة الأحقاف بتريم تحت رقم 2928. ومن خلال المقدمة التي وضعها باعبود لمقاماته نكتشف أنه على صلة بأدباء عصره، وأنه كان مواظبا على قراءة مقامات الحريري و(المقامات الزينية) التي ألفها ابن الصيقل الجزري في نهاية القرن السادس للهجرة.
ومثلما جعل بديع الزمان أبا الفتح الاسكندري بطلا لمقاماته وعيسى بن هشام راويا لها، واختار الحريري أبا زيد السروجي شيخا لمقاماته والحارث بن همام راويا لها، جعل باعبود أبا الظفر الهندي بطلا لمقاماته والناصر بن فتاح راويا لها. وفي المقامة الأولى (السورتية) نكتشف أن هذا الراوي يمني المولد، وأنه قد سافر إلى “بندر سورت المحروس” بعد أن سمع بعض الناس يصفون جمال أرض الهند. وفي المقامات الأخرى يبرز لنا الناصر بن فتاح رجلا شجاعا، ورغم فضوله الشديد، طيب الأخلاق، وأديبا فصيح اللسان. وقد قدمه أبو الظفر الهندي بطل المقامات مرة إلى أحد ملوك الهند قائلا إنه “نابغة اليمن وخاتمة شعراء الزمن”.
أما أبو لظفر الهندي نفسه، فقد جعله المؤلف نموذجا للمكدي الناجح؛ فمثلما دأب بديع الزمان والحريري على إبراز أدب الكدية “أي التسول” في مقاماتهما، حرص باعبود على تجسيد عنصري الكدية الرئيسيين “الفصاحة والحيلة” في جميع سلوك بطله أبي الظفر الهندي. فكأبي الفتح الاسكندري وأبي زيد السروجي، يبرز أبو الظفر الهندي دائما في هيئة رجل شديد الذكاء فصيح اللسان، قوي العزيمة، لكنه لا يتردد في استخدام الحيلة للوصول إلى مآربه.
في المقامة العاشرة “السرهندية” مثلا، يمر أبو الظفر بقوم مسافرين. ولأنه كان من غير زاد ولا متاع قرر أن يتزود من زادهم ويتمتع بمتاعهم. ولكي ينال ما يريد اتخذ هيئة الخطيب الواعظ و”جلس في أخريات الناس، وملأ الأسماع بدر نثره ونظمه، حتى توسم القوم كمال عقله وفهمه”. إلا أن الفصاحة وحدها لم تفد أبا الظفر. فبرغم نفاذ كلماته إلى قلوب المسافرين لم يباشر أحد منهم إلى مساعدته. لذا نراه يلجأ إلى الكذب ويشرع في البكاء والنواح، وحين يسأله القوم عما نابه يرد عليهم قائلا: “رزقت في عمري ولدا واحدا، ولم أزل به والدهر واجدا، وعلمته من الأدب ما زانت به حليته، حتى ضاق به من رام بلوغ حيلته. وفاق به أهل زمانه، وتصدر مجالس أقرانه، ولما استكمل في أفق الكمال بدره، انقضى أجله وعمره، وتوفى في سحر ليلة البارحة، ولا أملك من الدنيا سارحة ولا بارحة. فمن منكم الندب الأريب، يعين على دفن هذا الميت الغريب، فأعطوه من الدرهم والزاد ما أغناه من الازدياد”. وفي الجزء الثاني من المقامة يحكي الراوي الناصر بن فتاح أنه أدرك أن هذا الأب المكلوم يخفي سرا. ولكي يعرفه تعقب أثره. وحينما شعر به أبو الظفر سأله عن سبب ملاحقته له فرد عليه: “إعانتك على تكفين الميت وغسله، والصلاة عليه ودفنه وحمله”. وبعد مشادة كلامية قصيرة، يكشف أبو الظفر الهندي حقيقة ميته للراوي وأظهر له عودا كخرطوم الفيل وقال له: “هذا الميت الذي طلبت من أجله الجميل، وأريد أن أنفق ما كسبته من الهبات الجزيلة هذه الليلة، على زواجي من امرأة جميلة، أتأنس بأنسها وأدفن ميتي في …….”.
ومن أبرز السمات الأخرى المميزة لـ(لمقامات النظرية) احتواؤها على كثير من الأبعاد الواقعية والتاريخية، إذ أن باعبود لم يتردد في تضمين مقاماته وصفا لواقع وطنه الأصلي: اليمن الذي يبرز بوضوح خلف ستار الأسماء الهندية التي تحملها المقامات. فالمقامة السابعة التي تبدأ على النحو الآتي “حدث الناصر بن فتاح قال: انتشر أهل البوادي في أكثر النوادي، وقطعوا الدروب، وأكثروا الحروب..” تحتوي على صدى لاختلال الأمن والاضطرابات الناجمة عن الجفاف والقحط اللذين كانا يعصفان بحضرموت في تلك الفترة ويجبران الناس على الهجرة. وفي المقامة الثلاثين (الإله أبادية) يعبّر المؤلف عن حنينه إلى مدينة تريم قائلا: “وأما في الورع والأمانة والعبادة والديانة، فلم أر كأهل بلد ضل عن قلبي اسمها، وما غاب عن عيني رسمها، وقد اكتنفها واديان يقال لأحدهما عيديد، فيه كل جهبذ صنديد، ويقال للآخر النعير، قد جمع كل مير وخير، وهي بينهما كالعروس، تشتاق إلى حسنها النفوس، وقريب منها بلدان أخر قد جُمع فيهن كل فضل يُدخر”.
واهتمام باعبود بواقع وطنه الأصلي لا يعني انه لم يستلهم البيئة الهندية التي كان يعيش فيها. ومن أهم الإشارات إلى تلك البيئة توظيف عادة إقدام الزوجة الصالحة على حرق نفسها مع جثة زوجها المتوفى، وذلك في المقامة الثالثة والأربعين: “البرارية”. وبالإضافة إلى ذلك، من الواضح أن باعبود قد تأثر كثيرا بالبيئة الهندية حينما ضمن مقاماته قدرا لا بأس به من “الإباحية” – أي الحديث عن الأمور الجنسية بأسلوب مكشوف- التي لا نجدها في أي مقامات عربية أخرى. وبسبب المحتوى “الإباحي” لعدد من المقامات، مثل المقامة التاسعة والثلاثين “البروجية” والمقامة السابعة والأربعين “الهقلي بندرية” والمقامة الثامنة والثلاثين “الرسول نكرية” بدا لنا أنه سيكون من الصعب نشر (المقامات النظرية) كاملة ووضعها في رفوف إحدى المكتبات العامة. لهذا السبب، في عام 1999 ، حينما نشر المجمع الثقافي في أبو ظبي (المقامات النظرية للأديب أبي بكر بن محسن باعبود الحضرمي، تحقيق عبد الله محمد الحبشي)، حذف منها نص المقامة الثلاثين (البروجية) بأكملها مبررا ذلك بالتنويه الآتي: “حذفت المقامة المذكور عنوانها أعلاه لاعتبارات تتعلق بالذوق العام” (ص245). كما أشار المحقق عبد الله الحبشي في هامش الصفحة الرابعة والسبعين إلى أن “الناشر حذف بعض المفردات لمنافاتها للذوق العام”. وبما أننا لا نسعى هنا إلى مناقشة مدى سلامة الطريقة التي اتبعها المركز الثقافي في أبو ظبي في نشر (المقامات النظرية) فسنكتفي هنا بالقول إننا نعتقد أن باعبود قد تأثر كثيرا بالبيئة الهندية عند وضعه للمقامة البروجية التي تتضمن وصفا صريحا لعدد محدود من أوضاع الجماع الكثيرة التي يمكن أن يشاهدها كل من زار الهند مجسدة بالتماثيل الحجرية الضخمة. ويمكن أن نشير كذلك إلى أن التحرج في نشر ما كتب أو يكتب في أمور الجنس يعد ظاهرة حديثة في الأدب العربي. إذ أن كتب التراث التي تركها لنا الأدباء والكتاب العرب بمن فيهم الفقهاء وعلماء الإسلام تزخر بالحديث عن الجنس. هذا ما نجده مثلا في كتاب أبي العباس الصنهاجي (فوائد النكاح على مختصر الوشاح) وفي (الروض اليانع في فوائد النكاح وآداب المجامع) لأبي محمد عبد الله بن مسعود التمكروتي، وفي كتاب (الممتع المحتاج في آداب الأزواج) لأبي عبد الله محمد بن الحسين بن عرضون، وفي (طوق الحمامة) لأحمد بن حزم. ويبدو أن (الروض العاطر) للنفزاوي هو أشهر كتب التراث المكرسة للجنس قاطبة.
التعليقات على مقامات باعبود مغلقة
Posted by: مسعود عمشوش | on يناير 24, 2013

(14 أكتوبر) مدونتنا الأولى بقلم مسعود عمشوش
قبل أسبوع، وتحديدا يوم السبت الموافق التاسع عشر من يناير، مرت الذكرى الـ(43) على تأسيس صحيفة 14 أكتوبر في 19 يناير 1968. ومن المعلوم أن 14 أكتوبر كانت و لا تزال صحيفة رسمية تعكس بشكل أساسي وجهة نظر الحكومة والنظام. ونتيجة لذلك فقد مرت – مثل البلاد- بمنعطفات ومتغيرات فكرية مختلفة.
وبما أن هاجس الكتابة موجود بقوة في كل مكان وزمان فقد لجأ إلى الكتابة في هذه الصحيفة الرسمية معظم المثقفين والأدباء في مختلف الفترات وبغض النظر عن توجهاتها الفكرية العقائدية، لاسيما أن إمكانيات النشر الأخرى كانت في السبعينيات وحتى نهاية القرن الماضي محدودة أو معدومة تمام، وبصورة خاصة أمام الأدباء الشباب.
وللأمانة فقد احتضنت 14 أكتوبر جمعية الأدباء الشباب التي تأسست في منتصف السبعينيات وضمت أدباء شباباً من بينهم عبد الله باكدادة وعبدالرحمن إبراهيم وجنيد محمد الجنيد ومحمد حسين هيثم وشوقي شفيق ومبارك سالمين وحمزة هب الريح وحبيب سروري وعمر محمد عمر وآخرون. ومن خلال الصفحة الثقافية استطاع هؤلاء الشباب نشر إرهاصاتهم الشعرية والقصصية الأولى. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الفقيد شكيب عوض لم يلتزم بحجب تلك الكتابات الإبداعية (الخالية من الالتزام الفكري) مثلما فعل ذلك بعض زملائه المؤدلجين في الصحيفة.
كما أن 14 أكتوبر كانت الصحيفة الرسمية الأولى في البلاد التي تصدر (ملحقاً ثقافياً)، وذلك تحت إشراف القاص نجيب مقبل الذي يشغل حاليا نائب رئيس تحرير الصحيفة. ويقول الباهيصمي إن الصحيفة كانت كذلك أول منتدى للمبدعين في عدن حيث كانوا يأتون إليها للنقاش مع عوض باحكيم وعبدالله الدويلة والإخوة شكيب عوض وسالم الفراص وآخرين.
وفي الختام أقول: رغم الإمكانيات البدائية التي كانت لدى 14 اكتوبر في عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي فقد استطاعت أن تقوم بدور متميز في تنشيط الحركة الثقافية والأدبية في محيطها في بيئتها ومحيطها الجغرافي. وعلى الرغم من كونها صحيفة رسمية فقد ساعدت على صقل العديد من المواهب و تشجيعها و إبرازها إلى عالم الوجود. لذا فهي تستحق الشكر والاحترام و التقدير على هذا الدور التاريخي الكبير …
واليوم، إذا ما قارنا ما تنشره (14 أكتوبر) بما تقوم بنشره (الجمهورية) – وهي صحيفة تعز الرسمية- التي فتحت الباب لأقلام مختلف أبناء تعز، لاسيما أولئك الذين ينادون بالتغيير، نلمس أن صحيفتنا (14 أكتوبر) لا تزال تتردد في نشر مختلف المقالات والآراء التي يعبر عنها أبناء هذه المدينة التي تحتضنها منذ 44 سنة. وأتمنى أن تستطيع الصحيفة استعادة دورها وتفاعلها مع بيئتها ومحيطها الجغرافي، وأن تتمكن رئاسة تحريرها أن تستفيد بشكل إيجابي من السياسة التي تتبعها صحيفة (الجمهورية). وعندئذ فقط سنرى 14 أكتوبر كل صباح بين أيدي قراء عدن الذين لا نرى بين أيديهم اليوم إلا أخبار اليوم والشارع وربما مأرب برس.
التعليقات على 14 أكتوبر مدونتنا الأولى مغلقة
Posted by: مسعود عمشوش | on يناير 24, 2013

هوامش حول أزمة البلاد والعباد
6- لكي لا ترجع حليمة لعادتها القديمة
د. مسعود عمشوش
كيف يمكن أن نستفيد من دروس الماضي ونتجنب الوقوع في الأخطاء نفسها التي وقع فيها قادتنا في الأمس وأوصلتنا إلى هذه الحالة المأزومة والمزرية التي نعيشها اليوم؟
كثير من المراقبين في الخارج ينظرون إلينا بسخرية وربما بشماتة. ويكررون أنه مهما قررنا تجاوز فرقة الماضي وخلافاته، ومهما تسامحنا وتصالحنا فأننا سنتقاتل من جديد. والحقيقة أنهم هم أيضا سيبذلون كل ما يستطيعون لكي نتقاتل من جديد، لأن ذلك من مصلحتهم، ولأن كثيرا من مصالحهم انبنت أصلا على وجود خلافاتنا وضعفنا. وحماقاتنا أيضا.
ومن المؤكد أن كثيرا منا ومن أطفالنا لا يلمون بتفاصيل وتعرجات ومنعطفات ذلك الماضي القريب الذي احتربنا فيه بينا البين أكثر مما احتربنا مع ذلك العدو الخارجي الذي له مصلحة في خرابنا وبقائنا مفرقين ومختلفين.
والمشكلة اليوم أننا نعيش ما يشبه أزمة ذاكرة، وأزمة في القادة السياسيين. والسياسة كما هو معلوم لعبة قذرة، وتحتاج إلى خبرة وحنكة، وليس فقط إلى حماس وعواطف ورغبة في الإصلاح والتغيير. وكثير من المشاكل التي نعيشها اليوم سببها أن قادتنا كانوا – في بداية المشوار- تنقصهم الخبرة. وهذا النقص هو الثغرة التي استغلها الآخرون للإيقاع بنا.
واليوم يؤكد معظم القادة السابقين رغبتهم في إفساح المجال للشباب ليقودوا البلاد إلى بر الأمان. وعلى الرغم من إيماني بأن ما يقولونه هو عين الصواب وأن على الحرس القديم أن يتقاعد ويقبل بدور المراقب الناصح والنصوح، فأنني أخشى أن يقع القادة الشباب في الأخطاء نفسها التي وقع فيها قادتنا السابقون، ونعود إلى الموال نفسه والقصة نفسها. وهو – كما ذكرت- ما يراهن عليه العدو الخارجي الذي يبدوا أنه قد استفاد جيدا من تراكم خبراته وقدرته على المناورة والمراوغة.
واليوم وقد أصبحنا نسلم بانه من الصعب عدم الوقوع في الخطأ، وأن خير الخطاءين هم التوابين، أتمنى من جميع رموز حرسنا القديم أن يساعدوا قادة المستقبل ويبينوا لهم بصدق ملابسات الماضي وأخطائه، وذلك بشكل خاص وبشكل عام وعلني. ويمكنهم أن يسارعوا في كتابة تجاربهم أو مذكراتهم، وألا يكتفوا فيها بذكر مآثرهم وبطولاتهم، بل عليهم أن يركزوا أكثر على الثغرات أو الأخطاء او الثغر التي يجب ألا تتكرر. لكي لا ترجع حليمة – في كل مرة – لعادتها القديمة.
التعليقات على حتى لا ترجع حليمة مغلقة
Posted by: مسعود عمشوش | on يناير 24, 2013
هوامش حول أزمة البلاد والعباد: ضد احتراف الثورة
لكي يتمكن الشباب من تحقيق أكبر قدر من الإنجازات عليهم بالاحتفاظ بإيقاع عمل عالي. وهو ما لن يستطيع الشيوخ عمله بحكم وهن الجسد والعزيمة. وأنا مع استمرارية الثورة وبإيقاع عالي. لكني ضد احتراف الثورة، وحصر سنوات العمر في العمل الثوري بعيدا عن المزارع وتعمير الطرق والصفوف والمكاتب. فالثورة في الأصل هدم للسيء لنبني على أنقاضه الأفضل، أي أنها هدم لإعادة البناء. فأن أثور لا ينبغي أن أتوقف عن العمل وإعادة البناء والعطاء. وإلا لا يمكن أن نقبل ثورة تمتد أطول من أسبوع أو شهر… ويمكن أن أذكر أن الصين حققت تطورا كبيرا في ما سمي في نهاية سبعينيات القرن الماضي: الثورة المستمرة.
ومن المؤكد أن هناك كثيرا من المقاولين في اليمن قاموا – مشكورين- بنقل العمال من مواقع العمل إلى ساحات الاعتصام دعما للثورة. وكله عمل؛ وكله….! لكن ألم يحن الوقت أن نقرن العمل الثوري بالعودة إلى مواقع العمل للبناء وإعادة البناء؟؟؟ فلا يمكن أن تستمر الحياة من دون عمل وانتاج وبناء. فلكي تستمر الثورة يجب أن يستمر أيضا العمل والبناء والتعليم.
التعليقات على ضد احتراف الثورة مغلقة