أنا و “أنَّا” الأخريات
Posted by:مسعود عمشوش | أكتوبر 30, 2015
بقلم أديبة البحري
جئت بأوجاعي جميعها، عبرت بها الماضي ودخلت الحاضر وهي ترافقني، تنام وتصحو معي، أوصالي مجزأة برغم الكل الذي يجمعها، كأني أكثر من واحدة، عندما أكون هنا أقترف جناية الكتابة أرى الأخرى هناك في المطبخ تعد وجبة العشاء، وحين أعبر حدود الذاكرة مسافرة صوب المستحيل، تناوب الأخرى في غرفة جدتي لتصغي لتلك الحكاية التي ترددها كل يوم، دون أن يجدَ الملل طريقاً إليها، مستطردة في سرد أحداثها، قصة “الأمام والحريم في قصرة”.
يبدو أني أكثر من واحدة ليس في ذلك أدنى شك، حقيقة لزمتني منذ أدركت “التهمة” كوني امرأة … مع أنه باستطاعتي أن أطوف عالم الآخر أحياناً، ممتطية فرس مخيلتي، وأمضي في لعبتي و الحلم، أحب وأذوب عشقاً، ثم احترق، وقد يطول بي الأمر فالعب لعبة جديدة، لعبة “حفل الزفاف”، لكنني سرعان ما أفيق؛ فأدرك أن كل ذلك محض أحلام. يحدث كل هذا وأنا أوجاعي معي، أزور معها الصديقات، تجلس معي في قاعة المحاضرة، تقرأ معي رواية ” تاء الخجل”، أعرف أسرارها ولا أكشفها؛ خشية سوء الظنَّ أو أن يقال عنها “عاهات” لا سمح الله، أظل محتفظة بهذا السر وحدي وهو ينمو، أغذية من عظامي؛ وهو يمد جذوره فتتوغل في أعماقي، وعلّي أخشى عليه من العطش فأسقيه من ماء العين ليكبر ولا يموت، كل هذا وأنا أكثر من واحدة، فهناك أخرى، هي لا تسمح للأوجاع أن ترافقها أو تنمو معها، تزيل البذرة ولا تسمح لها بالحياة وأن دفعها هذا الفعل للتخلص من بعض الأجزاء، تفعل كل هذا وأنا جالسة في ذات المقعد أتلمس ذات الأوراق، وانتظر تلك “النون” لتأتي وتروي لي قصة، ربما تذكرني قصتها تلك رواية” لحظة لاختلاس الحب” وقصص أخرى، أجلس وأنا لست واحدة، جسدي أصبح نحيلاً جداً، ضربات القلب بدت بطيئة أكثر من السابق، يبدو أنني دخلت عالم المرض، ولكني جدي كان يقول: إن النساء لا يمرضنَّ، “فأنتنَّ أخبث مرض عرفته البشرية”، ويستفحل الداء في جسدي، يفتك بأوصالي وأُحال إلى أجزاء، جزء في الحب، جزء في الخسارة، وآخر في الحنين وذرف الدموع على كل شيء، وأنا مع كل هذا لست واحدة، ولست وحدي فبجانبي هذا اللا شيء، يحميني، يمنع وقوعي، ويحول بيني وبين كلاب الشارع، تتراكم أوجاعي، لكني لم أمت، فأنا لست واحدة، بل صرت وحدددددددددددات.
Comments are Closed