موقع ثقافي تعليمي

الحبيب ابن العدوّة

 (الكره المتبادل بين الحماة والكنة)

مسعود عمشوش

من أبرز القضايا التي تتناولها الحزايا والحكايات الشعبية: ظاهرة الصدام بين الحماة (أم الزوج) والكنّة (زوجة الابن). ويدخل هذا الصدام في إطار الغيرة التي تبرز عادة بين النساء اللاتي يفضلن الاستحواذ والاستفراد بقلب الرجل وماله. ويبيّن لنا هذا الصدام أن الغيرة (الرغبة في الاستفراد والاستحواذ) لا تنحصر في الصراع بين زوجتين (ضرتين) على حب رجل واحد، بل يمكن أن تنشأ بين الزوجة التي قرر الرجل أن يقضي حياته معها وأمه التي ربته وباتت تشعر أن زوجته أصبحت تستحوذ على قلب ابنها وماله. ويتفهّم علماء النفس منطلقات هذا الصراع.

 وهذه الظاهرة منتشرة بكثرة في المجتمعات الريفية التي تسعى إلى الحفاظ على لم شمل الأسرة، ويظل الابن يعيش بعد زواجه مع بقية أفراد أسرته، وتحديدا أمه، في بيت العائلة. فحزاية (مولى الحسارة) التي ضمّنّاها كتابنا (الحزايا الحضرمية، 2023، ص81)، مثلا، تسرد قصة رجل تزوج في بيت العائلة، وتعيش معه في البيت أمه وأخته المطلقة، وكانت زوجته “شيطانية تكره أمه وأخته، وما تحبهن أبداً. وكل يوم وهن في مشاكل، ولا بدا يوم رجع الرجل من عمله ولا حصل مرته تبكي وتشكي من أمه وأخته”. فاضطر الزوج أن يطلب المساعدة من صديق له أعطاه طريقة اكتشف بها من هي الصادقة والمحبة له. فعندما جاء (مولى الحسارة) الذي يعتقدن أنه الخضر، قالت له الأم: “يا مولى الحسارة، عسى الله يصلح ولدي ويهديه إلى كل خير”. وقالت الأخت: “ربي يحفظ لي خوي فوقي وفوق أمي، ويزيّدني فوق الفيّان فيان من الرز”. أما الزوجة فقد قالت: “يعل (لعل) رجّالي يسرح رِجِل تمتد ولعاد ترتد، وأني وعيالي نتمّي (نبقى) وحدنا في الدار”.

ويتضمن كتاب (قصص وطرائف حضرمية) قصة ذات صبغة واقعية، جرت أحداثها في مدينة المكلا سنة 1947، وتحمل عنوان (الحبّانية التي ذبحت حماتها)، ويؤكد المؤلف أنه نقلها من كتاب صالح حميدان (الشحر عبر التاريخ). وفيها تُقدِم زوجة الابن على قتل حماتها بموس الحلاقة، لأنها كانت تضايقها وتراقب تحركاتها ولا تكف عن نقد تصرفاتها في المنزل وخارجه.

إضافة إلى ذلك، يبدو أن الكره المتبادل بين الحماة والكنة يؤدي في بعض الأحيان إلى تفضيل الأم لأولاد بنتها، الذين يعيشون عادةً بعيداً عنها، على أولاد ابنها الذين يعيشون معها وذلك لمجرد أنهم أولاد المرأة التي أخذت عليها ابنها. وتجسّد حكاية (الحبيب ابن العدوّة)، التي ضمنها سالم عيدروس العوسجي كتابه (الدرجاج قبلة المحتاج، 2022، ص330) هذه الظاهرة. وقد جاء في هذه الحكاية: “يُحكى أن امرأة عجوزا كان عندها ولد وبنت. وتزوج الولد والبنت، فأنجب الولد ولدا والبنت كذلك أنجبت ولدا. وكبر الولدان معا، وكانا دائما ما يلعبان معا ويرافقان جدتهما في ذهابها للحقل والعودة منه ويشاركانها في رعي الماشية وترتيب الحظيرة. وجز العلف وحلب البقرة. وكان ابن الابن حريصا على إرضاء جدته ومطيعا لها دائما، لكنها لم تكن راضية عليه بالقدر الذي هي راضية على ولد ابنتها الذي تحرص دائما على منحه الهدايا دون علم ابن ابنها. وهي لا تكرهه لكنها تبغض أمه بحجة إنها قد أبعدت ابنها عنها وشاركتها فيه. من منطلق غيرة الأمهات من زوجات أبنائهن ليس إلا. وبقي هذا الأمر مسيطرا على تفكير الجدة كثيرا. وكلما فعل ابن ابنها حسنة احتقرتها ولم تثن عليه، بينما يحظى ابن ابنتها بكل الثناء والمديح والخوف عليه من أيسر الأمور.

وذات يوم خرجت العجوز كعادتها للحقل مع حفيديها وبقيت هناك حتى الغروب وقت عودتها إلى القرية التي يفصلها عن الحقل وادٍ وبعض الأراضي الزراعية. وبينما هم عائدون من الحقل في عرض الوادي إذ بسيل يتدفق مسرعا نحوهم. وشاهد الحفيدان السيل قادما. والجدة أيضا شاهدته. وسرعان ما نط ابن الابنة وهرب وترك الجدة تلاقي مصيرها وسط الماء، بينما بقي ابن الابن يصارع السيل وهو ممسك جدته وضمها لصدره وكاد أن يحملها على ظهره. وبذل قصارى جهده لإنقاذ جدته، حتى أفلح. بينما بقي ابن ابنتها ينظر إليهما من فوق الوادي دون أن يحرك ساكنا. ووصل ابن الابن مع جدته إلى ضفة الوادي. وعندما أخذت العجوز نفسها واطمأنت أنها قد نَجَت قالت:

الحبيب ابن الحبيبـة   ما لقي للسيل حيلة

والحبيب ابن العدوّة   شلّني شلّة بقــوة”.

وتجدر الإشارة إلى أن الحكاية نفسها تردد في حضرموت مع تغيير طفيف في الشطر الأخير من بيتي الجدة، التي تقال في حضرموت على النحو الآتي:

الحبيب ابن الحبيبـة   ما لقي للسيل حيلة

والحبيب ابن العدوّة   شلّني من الماء بقــوة

Comments are Closed