التفكك الاجتماعي في (قلب الحصى) لعبد الرزاق قرنح
البحث عن مسببات التفكك الاجتماعي في (قلب الحصى) لعبد الرزاق قرنح
مسعود عمشوش
لقد شهدنا في الأيام الماضية جدلا يكاد يكون عقيما حول حقيقة هوية الروائي العالمي عبد الرزاق قرنح، الذي يعيش في بريطاننا منذ سنة 1968، وولد في جزيرة زنجبار لأب ولد في حضرموت ولأم (سلمي باسلامة) من مواليد مموباسا، وفي اعتعقادي أن أعمال قرنح تظل هي الأهم.. وأرى انها مهمة و مفيدة جدا لفهم ما يعانيه أفراد الشتات الزنجباري والحضرمي، الذي يسميه هو وأصحاب جائزة نوبل.. المهاجرين العالقين بين القارات والثقافات.. في مهاجرهم المختلفة. وهذا هو الأهم .. فثمان من روايات الفائز بجائزة نوبل لهذا العام قدمت للعالقين بين الثقافات والقارات اكثر مما قدمته عشرات المؤتمرات التي كرست لهم ،بما في ذلك المؤتمر العالمي الذي نظم في لندن سنة ١٩٩٥ عن الشتات الحضرمي.
تقديم قلب الحصى
في الرواية التاسعة (قلب الحصى Gravel Heart 2017 ) يصور الروائي العالمي عبد الرزاق قرنح بعض مظاهر الإحباط والتفكك الأسري والاجتماعي الذي يعانى منه المهاجرون وأولادهم في مهاجرهم المختلفة. وينهض بالسرد فيها، البطل سالم، الذي يحكي قصة حياته، بدءا بماضيه في مسقط رأسه زنجبار. ويذكر أنه، حينما كان في صغيرا في السابعة من عمره، لم يستوعب سريعا أن أباه مسعود قد ترك المنزل نهائيًا، ولن يعود، وأن أي محاولة منه لفهم الحقيقة من أمه سعيدة تبدو غير مجدية. والحقيقة التي يلمسها هي أن والده انتقل ليعيش في غرفة صغيرة خلف منزل خميس الذي يقع على بعد مسافة قصيرة من منزلهم. ولفترة ظلت أمه ترسله إلى هناك ليرمي لأبيه بعض الطعام عند عودته من المدرسة. وفي البداية شعر سعيد بشيء من القلق لأنه لم يستطع حل اللغز، ثم استنتج أن والده لم يعد يريده.
ولم يتبق لسالم من ذلك الماضي سوى ذكريات غير واضحة، ولا يمكن أن تساعده على الشعور بالحنين إليه. وظل يتساءل عما إذا كان الماضي هو الحقيقة أم مجرد عزاء يسعى الناس من خلاله إلى سد الثغرات في حياتهم الراهنة.
وتحاول سعيدة أن تسرد لسالم حياتها السابقة لكنها تتجاهل ذكر أي معلومات عن حياتها المشتركة مع مسعود. وتروي له كيف شارك والدها هي، أحمد موسى إبراهيم في الثورة، وكيف أدت مساندته للحزب المناهض إلى اغتياله. وتذكر الكآبة التي أصابت والدتها بعد وفاة والدها، عندما كانت تعيش مع خالتها (بيبي) والأطفال، وكيف أصبحت هي وأخوها أمير يتيمين.
ولم يكتشف سالم جزءا من الغموض الذي لفّ ذلك الماضي إلا في لندن التي أخذه إليها خاله أمير، الذي عُيّن دبلوماسيا في سفارة بلاده في بريطانيا، ليبني فيها حياته. فقد أخبرته عائشة، زوجة خاله، أن أمه سعيدة سلمت نفسها جنسيا لحكيم، شقيق عائشة، مقابل إخراج أخيها أمير من السجن. وكان حكيم هذا كان والد منيرة التي قالت له أمه سعيدة إنها كانت سبب انفصالها من زوجها سعيد.
وفي لندن، لم يستطع سالم أن ينتظم في دورة خاصة بإدارة الأعمال أراده خاله أن يلتحق بها. ثم أضطر إلى ترك منزل هذا الخال بعد أن اكتشف حقيقة الأعمال التي يمارسها هو وزوجته عائشة، وبعد أن وافق الخال أن يظل كفيل إقامته كما يتطلب القانون. وسجل في معهد لدراسة الأدب، ومارس بعض الوظائف الغريبة لتوفير المال اللازم لحياته. وفي النهاية حصل على وظيفة مناسبة.
ولسوء الحظ ماتت أمه سعيدة ودُفنت بينما كان ابنها سالم في الخارج يرزح يمرح مع روضة، بعيدا عن جهاز التلفون. لهذا لم يستطع خاله أمير أن يخبره. وبسبب ذلك تولد لديه شعور بالذنب دفعه إلى العودة حالا للوطن، وهناك اكتشف أيضًا أن والده قد عاد من كوالالمبور التي كان والده -جد سالم- المعلم يحيى قد اصطحبه إليها. وقضى سالم وقتًا ممتعًا مع والده مسعود الذي روي له ماضيهما، ووضح له كل شيء. بما في ذلك سبب انفصاله عن زوجته سعيدة. في الحقيقة أُجبرت سعيدة على الخضوع جنسيا للسياسي حكيم لإنقاذ شقيقها أمير الذي اعتقله حكيم بتهمة اغتصاب أخته عائشة.
واستطاعت منيرة أن تقنع أخاها بزيارة حكيم. وزار سالم فعلا حكيم قبل أن يعود إلى الخارج على الرغم من محاولات الجميع إقناعه بالبقاء أو تأجيل السفر. وفي الليلة التي ركب فيها سالم الطائرة، وحتى قبل أن يصل إلى وجهته، مات والده مسعود. ومثلما لم يستطع حضور موت أمه والمشاركة في دفنها، لم يتمكن سالم كذلك من حضور موت أبيه والصلاة عليه وقراءة القرآن على روحه.
ومن خلال التمعن في احداث تلك الرواية يمكننا أن نلمس بعض نقاط التماس بين ما يقدمه نص (قلب الحصى) الخيالي، وبين السياق الاجتماعي والسياسي الذي ساد في زنجبار منذ أن تركتها بريطانيا في مطلع ستينيات القرن الماضي (1963) وأحداث ثورة 1964، التي غيّرت بشكل جذري حياة معظم الزنجباريين، وغيبت جزءا منهم وأجبرت أخرين على المغادرة أرض الشتات.
Comments are Closed