موقع ثقافي تعليمي

ولا باتنتسين يا ليلة خمس وعشرين

مسعود عمشوش

 منذ كنت في الخامسة من العمر، في مطلع ستينيات القرن الماضي، كان أبي، الله يرحمه، يحرص على اصطحابي معه، أنا من بين جميع أولاده الخمسة، إلى مسقط رأسه تاربة كل ليلة 25 رمضان. وكان يؤكد على سعيد بن قفلة، صاحب سيارة لاندروفر قديمة خضراء، ليحجز لنا مكانا وينقلنا بعد العصر إلى وادي بن سلمان بتاربة التي تقع على بعد 15 كلم شرقي سيؤن، لنحضر ختم مسجد (الوادي) الذي يصادف ليلة خمسة وعشرين. وعادةً كان أخي سالم يسبقنا في الوصول إلى هناك.

وكنا، للإفطار والعشاء، ننزل ضيوفا على المرحومين: سالم وعوض بن مزروع ابني خال أبي. وكان الثاني منهما قد فتح أول دكان في الوادي منذ ذلك الحين بعد أن عاد نهائيا من المهجر. وكنا نتسحّر عند صالح بن مزروع في حراد الذي عاد هو أيضا من المهجر وأصبح موظفا في البنك. وأكثر من تناول السحور كنّا نحرص عندهم على سماع) الفاتحة (الطويلة التي يتحفنا بها المرحوم عميران بن مزروع. وبعد الفاتحة كان علينا، في السنوات التي يتزامن فيها رمضان مع فصل الخريف، المرور وسط الوادي لأداء صلاة الفجر في المسجد. وأتذكر البرد القارس جدا الذي كان علينا تحمله وسط الوادي.

وفي صباح اليوم الثاني اعتاد أبي أن يأخذني معه إلى منطقة (آل غُرَيِّب) التي تقع على الطريق بين سيؤن وتريم. وهناك يفرجني على النخيل و(الخريب) التي تخص آل عمشوش، والتي لا تزال إحداها قائمة حتى يومنا هذا، وهي ملاصقة ببيوت آل محسن بن كرثيم العامري، وبإحدى مزارع آل العامري. وأتذكر أنني في إحدى المرات أجهشت بالبكاء حينما جلس أبي فترة طويلة في إحدى غرف تلك الخرابة وقال لي إنه ولد فيها وإن أمه المزروعية قد اضطرت لمغادرة وادي بن سلمان للعيش في “هذا الدار”، الذي لم يعد في الواقع داراً.

وبما أن أبي كان حينها قد بدأ يتقدم في السن فقد كان، عندما يسأله أحد العوامر: “يا سعيد الزقر ذا لي معك عاده ولدك؟”، يرد عليه باعتزاز: نعم ذا آخر العنقود.

وفي بعض السنين كنت أرافق أولاد الأقارب من الوادي، من آل بن مزروع وآل بن سعد، وبعض القادمين من سيؤن، لاسيما ربيع وهادي أبناء حمود بن سلمان، للذهاب في جولات طويلة في الشعاب القريبة، وكنا نغامر أحيانا ونصل إلى منبع وادي (الحزير) الذي كان بعيدا حقا، ويشرف على منبع وادي جذع المطل على سيؤن، وكان معظمنا يضطر أن (يكعم (من مياه الوادي رغم أننا سنؤكد جميعا عند عودتنا أننا صيام. وفي بعض الأحيان كنا نعرّج على (شحرة الغبراء) التي أصبحت الآن محاطة بمركز سكني استقر فيه كثير من سكان وادي بن سلمان، وشخصيا كنت أصر على المرور عند (عِلْب الشيخة سلطانة بنت علي)، وسط المسيال، لنقرأ على روحها الفاتحة.

وعندما يصادف الخامس والعشرين من رمضان يوم جمعة كان أبي يقرر البقاء في الوادي إلى العصر لنصلي الجمعة وبعدها مباشرة الخمسة الفروض في مسجد الوادي. فأهل الوادي اعتادوا أن يؤدوا الصلوات الخمس دفعة واحدة كل آخر جمعة من رمضان، ويؤكدون أن ذلك يمكن أن يشفع لهم عن أي تقصير يمكن أن يحدث في أداء الفروض خلال العام المنصرم.  والله أعلم.

Comments are Closed