موقع ثقافي تعليمي

بدايات الصحفي حسين البار في عدن

أ.د. مسعود عمشوش عدن

زار حسين محمد البار عدن أول مرة سنة 19344، حينما مر بها وهو في طريقه إلى جيبوتي، وكان في الثامنة عشرة من العمر. وفي جيبوتي، التي مكث بها أربع سنوات، التحق بمدرسة النجاح العربية الإسلامية التي كان يديرها ا لأزهري علي أبوبكر السقاف. وكان للسقاف فضلان: الأول إبعاد الشاب البار عن أسلوب السجع والمحسنات البديعية الذي تمرن عليها خلال دراسته لأمهات كتب التراث العربية في (رباط القرين) بدوعن و(مدرسة مكارم الأخلاق) بالشحر، وإقناعه بممارسة الكتابة بالأسلوب المرسل الحديث من خلال حثه على قراءة نصوص بعض الأدباء المصريين المعاصرين مثل محمد حسين هيكل والعقاد والمازني.

ويكمن الفضل الثاني في توجيه حسين البار، الذي كان حينها يميل أكثر للشعر، إلى الكتابة النثرية والاطلاع على عدد من أشهر المجلات والصحف العربية في تلك الفترة، مثل (الرسالة) التي يصدرها احمد حسن الزيات و(أبوللو) التي كان يرأس تحريرها أحمد زكي أبو شادي.

 وعلى الرغم من أن الشاب البار لم ينصرف كليا عن نظم الشعر، فمن المؤكد أنه قد أعطى اهتماما كبيرا بالكتابة الصحفية النثرية. فهو غادر جيبوتي في منتصف عام 1938، متجها إلى عدن. وعمل فيها حتى منتصف سنة 1940 معلما في مدرسة (الفلاح). وخلال هذين العامين استطاع حسين البار أن ينسج علاقات ممتازة مع عدد من المثقفين في عدن. ويبدو أن علاقته قد توطدت بشكل خاص مع الشاعر الشاب علي محمد علي لقمان الذي عُيّن مترجما في مكتب النشر والإعلام البريطاني في عام 1939، وأصبح من أبرز المحررين في أعداد السنة الأولى لأول صحيفة عربية مطبوعة تصدر في عدن: (فتاة الجزيرة) التي أسسها والده محمد علي لقمان في مطلع عام 1940. وبفضل الشاب علي لقمان استطاع البار أن يصبح أحد المحررين في الأعداد الأولى من تلك الصحيفة.؛ ففي العددين الأول والثاني نشرت له (فتاة الجزيرة) مقالة بعنوان (فذلكة عن حضرموت العربية)، بدأها على النحو الآتي: “لقد ارتأيت- على ما في معلوماتي من ضآلة وما في باعي من قصر- أن أحشر نفسي في زمرة كتاب العدد الأول من (فتاة الجزيرة) الغراء، ففكرت مليا فيما عساه الموضوع الذي يهم القراء أن يعلموا شيئا عنه مني، فلم أجد سوى الكتابة عن وطني حضرموت، وعرض كتابي موجز عن حالتها الأدبية والاجتماعية”.

وفي الحقيقة اكتفى البار بتقديم لمحة سريعة جدا عن التركيبة الاجتماعية لسكان حضرموت مع التركيز على فئة الصبيان، وتحدث كذلك عن الطبيعة الجغرافية لحضرموت وجفافها الذي جعل منها بيئة طاردة لسكانها. وأنهى مقالته بشكل لافت بهذه الملاحظة التي تكاد تكون اليوم من الأحكام المسبقة حول جميع الحضارم: “والحضرمي ذكي ونشيط، وهو يميل في الغالب إلى مزاولة الأعمال الحرة كالتجارة وغيرها، وقلما تطلع إلى الوظائف لسببين: عدم استعداده ثقافيا للقيام بها وعدم ميله إليها. وهو في غربته حريص كل الحرص على حفظ ما تكسبه يداه حتى أنه ليقتر على نفسه في المعاش تقتيرا شديدا”.

elbar11
وفي العدد الحادي عشر من (فتاة الجزيرة)، الصادر بتاريخ 10 مارس 19400، نشر حسين البار مقالا طويلا -صفحة كاملة (الرابعة)- بعنوان (مهاجر الحضارم خارج الجزيرة العربية). وقد بدأها على النحو الآتي: “لم يجد الحضارم في وطنهم مجالا للكسب والاستثمار، ولا موردا من موارد الارتزاق، المجدي فولوا وجوههم عنه شطر البلاد الجاوية والهندية والسودانية والحبشية، صادفين عن بذل أي مجهود في تحسين حالة أراضيهم الزراعية لاستثمارها. وبدأت هجرة الحضارم إلى البلاد الهندية وجزائرها الشرقية وسومطرا أو لملايو والسودان منذ نيف وثلاثمائة سنة تقريبا، إلا أنها لا نسبة بينها وبين هجرتهم في أوائل هذا القرن، فقد زادت هذه الهجرة في هذه المدة زيادة فاحشة بشكل يبعث إلى الحسرة والأسى في نفس الحضرمي الصميم لإقفار البلاد من أبنائها وافتقار الدور عامريها”.

وقد أثارت هذه المقالة، التي تحتوي على اقتباسات مما كتبه الرحالة العراقي (الأستاذ المظفر) عن الحضارم في الدكن الهندي وتدني مرتباتهم مقارنة بالهنود، ردود فعل عدد من قراء الصحيفة التي قامت بنشر تعقيب طويل عليها بقلم حسين محمد الصافي، وذلك في العدد الخامس عشر الصادر في 7 ابريل 1940.
أما في العدد الثامن عشر من الصحيفة الصادر في 28 ابريل 19400، فقد تضمنت (فتاة الجزيرة) أول قصيدة تنشر للشاعر حسين بن محمد البار: زفرة. ومطلعها:

نفدت أسهمي فحطمت قوسي ونبذت الهوى وأفرغت كأسي

أنا في الدهر خائب أنا في دنيا الأماني العذاب والحب منسي

أنا في الحب خائب لم أذق من كأسه الحلو رشفة التحسي

ويذكر البار أنه سلم القصيدة لصديقه الشاعر علي لقمان الذي قام بعرضها على والده الذي سارع الى نشرها.

elbar12
ويمكن أن نشير هنا إلى أن  حسين البار، بعكس كثير من محرري (فتاة الجزيرة)، لا سيما الحضارم، حرص على توقيع مقالاته باسمه الحقيقي. وقد وقع مقاله الأول باسم حسين بن محمد العلوي، والثاني باسم حسين بن محمد البار العلوي، أما في نهاية القصيدة فقد اكتفى بـ حسين محمد البار.

وفي مطلع النصف الثاني من عام 19400 غادر حسين البار، مثل كثير من سكان عدن، المدينة تحت اشتداد القصف الإيطالي. أما الدكتور عبد الله حسين البار فيذكر أن والده اضطر أن يغادر عدن “حين نبه بعض من ذوي نسبه من غيلة الإنجليز” )انظر كتابه) حسين بن محمد البار، إصدار مكتب وزارة الثقافة حضرموت 2015، ص (63

ومن المؤكد أن مغادرة حسين البار لعدن في ذلك العام لم تكن تعني انتهاء مشاركته في الكتابة في الصحف العدنية؛ فهو استمر يساهم فيها حضرموت، ويقال إنه كان مراسلا لصحيفة النهضة التي كانت صدرت في عدن عام 1947. وحينما ارتبط حسين البار بعملية الحراك السياسي التي برزت في أربعينيات القرن الماضي، والتي عرفت بحركة الهيئة المركزية التي أفرزت (الوفد الدوعني)، الذي كان البار بين أعضائه الى جانب عبد الله بن طاهر الحداد، رئيس الهيئة المركزية والعلامة والأديب والسياسي حامد أبوبكر المحضار وحامد بن علوي البار وتعرضت (الهيئة) للهجوم بادر حسين البار إلى الدفاع عنها في صحيفة (الأمل) لصاحبها محفوظ بن عبده، في العدد (15) الصادر في 15 يونيو 1947.

وهنا ينبغي أن نتساءل: هل استمر حسين بن محمد البار يكتب في (فتاة الجزيرة) من حضرموت، بصفة مراسلا خاصا أو مساهما؟ في الحقيقة نرجح ذلك بشدة؛ لا سيما أننا عثرنا في أعداد السنة الثانية من (فتاة الجزيرة) -1941- كتابات موقعة باسم (حسن بن محمد البار العلوي). وحينما سألنا عن احتمال وجود شخص بهذا الاسم في عدن في تلك الفترة ردّ علينا بالنفي، وعليه يمكننا اعتبار تلك الكتابات من اسهامات حسين بن محمد البار العلوي، ويمكن أن يكون سقوط الياء من الاسم خطأً مطبعيا. من تلك الكتابات مقال بعنوان (ذكرى الهجرة النبوية) نُشِر في العدد الخامس من الصحيفة بتاريخ 2 فبراير 1941.

أما في مطلع الخمسينيات فقد انتقل السيد حسين البار إلى المكلا وعين رئيسا لتحرير صحيفة (الأخبار) النصف شهرية الحكومية منذ صدور عددها الأول في 1 مارس 1953 حتى 31 ديسمبر 1954. ولا شك أن كثيرا من أوراق ندوة (حسين محمد البار وصحيفة الرائد) ستتناول بإسهاب قصة البار وصحيفته.

Comments are Closed