موقع ثقافي تعليمي

خــبــابــــير

now browsing by category

 

مهارة تدوين المحاضرات

المهارة الثانية:

مهارة كتابة المحاضرات الجامعية

(المهارات لا تكتسب بمجرد معرفة ماهيتها أو تعريفها بل بالممارسة والتمرن والصبر والمثابرة. وأعتقد أن من أهم معوقات التعليم في بلادنا العربية حصره في تلقين المعارف والتعريفات وإهماله لجوانب التطبيق والتدريب والتمرين)

كتابة المحاضرات الجامعية مهارة. وهي مهارة تفترض إتقان مهارات أخرى. أهمها مهارة الإصغاء؛ أي الاستماع بانتباه وذهن يقظ لاستيعاب الكلام أو النص الشفهي، ومهارة التلخيص؛ لأن المطلوب عند تدوين المحاضرة تدوين ملخص ما يقوله المحاضر وليس كل كلمة يقولها، وكذلك مهارة التعبير، لأن على الطالب أن يلخص المحاضرة بأسلوب شخصي سليم وجميل.

لذلك قبل التقدم في قراءة هذه المهارة ندعو القارئ إلى الاطلاع على ما كتبناه عن مهارة التلخيص، حيث كتبنا: التلخيص تمرين على إعادة صياغة المقروء أو المسموع بشكل موجز ومركز في أسلوب شخصي سليم وواضح، مع المحافظة على الأفكار الرئيسية ويحتاج الطالب والطالبة في دراستهما إلى تلخيص المحاضرات والدروس، كما يحتاجان إليه عند الإجابة عن أسئلة الاختبارات بجمع أفكار الإجابة في سطور قليلة.

ولكي تتمكن من تدوين مذكرات جامعية (أو غير جامعية) مفيدة عليك أن تحرص على الجلوس في مقدمة القاعة (في الصف الأول إن أمكن)، والابتعاد عن الزملاء الثرثارين، والتزود بقلم ممتاز وكراسة حلزونية ذات ورق كبير (حجم A4 إن أمكن ليسهل وضعها في ملف خاص فيما بعد).

وهناك طريقتان لكتابة المحاضرات في كراسة المحاضرات:

أ- الطريقة التقليدية: وهي الطريقة التي تعتمد خطوات التلخيص للنص الشفهي، وتكمن في الاصغاء المركز وتحديد الفكرة أو الأفكار الرئيسة في كل جزء من المحاضرة ثم تدوينها بتركيز وإيجاز وربطها بالفكرة التالية. وتدوين الأفكار الفرعية إن وجدت، واختيار أقل قدر من الأمثلة. وقد اثبتت هذه الطريقة جدارتها على مر العصور ومع ذلك فقد يجد بعض الطلاب صعوبة في استخدام هذه الطريقة لاسيما إذا كانوا من الطلاب الذين لا يجيدون تسجيل الأفكار الرئيسية من المحاضرات أثناء الاستماع إليها وفهمها

ب- طريقة كورنيل وهي الطريقة التي طورتها جامعة كورنيل الأمريكية وأهم سمة تميز هذه الطريقة هي أن يقوم الطالب بتقسيم ورقة الدفتر الى قسمين القسم الأول يبعد مسافة 8سم من الهامش جهة اليسار وبهذا تكون الصفحة مجزئة الى جزئين الأيمن ضيق والأيسر واسع ..يستخدم الجزء الأيمن في تسجيل نقاط المحاضرة مع الشروحات والتعليقات وبعد انتهاء القسم الأيمن يكون دور الجزء الأيسر وذلك بأن يعيد الطالب في أقرب وقت ممكن قراءة المحاضرة وتسجيل المفاهيم والأفكار المستخلصة على هذا القسم وقد ثبت بالتجربة أن هذه الطريقة جيدة للطلاب الذين يستصعبون استخدام الطريقة التقليدية. وعموما تذكر أن كتابة المحاضرات هي مهارة شخصية وكل طالب له أسلوبه في الكتابة المهم اختيار الطريقة الأنسب بالنسبة لك سواءً الطريقة الأولى أو الثانية أو استخدام اسلوب الدمج بين الطريقتين. وتوظف هذه الطريقة الاختصارات التي يمكن استخدامها في الطريقة التقليدية أيضا.

نصائح ينبغي اتباعها عند تدوين المحاضرات

سجل عنوان المحاضرة وتاريخها. وعادة يحرص المدرس الجيد على كتابة عنوان الحاضرة وعناصرها في السبورة.

ركز ذهنك على العناصر والأفكار الرئيسة ولا تكتب كل كلمه يذكرها المحاضر دون تركيز وفهم.. والقاعدة المستخدمة في ذلك

– افهم واستوعب أولاً

– ثم دون ويجب التميز بين ما يتصل مباشرة بموضوع المحاضرة، والهوامش او والأمثلة والنكات والأحاديث الجانبية التي يخرج بها الأستاذ عن صلب المحاضرة.

– اكتب المصطلحات والمفاهيم واي نقاط يسجلها الأستاذ على السبورة كالرسوم والشروحات والعناصر الرئيسية

– اتبع نظاما جيداً للترقيم لكي تميز بين الموضوع الرئيسي والفرعي والعناصر الصغيرة

تنقيح المحاضرات

-بعد تلخيص/تدوين المحاضرة يأتي دور التنقيح. وفي تنقيحك للمحاضرة اتبع الخطوات التالية

اولاً : اقرأ المذكرات واستكمل ما نقص منها ويمكنك الاستعانة بمذكرات زملائك لتلافي أي نقص في مذكراتك.

– وحاول ان تنقح المحاضرة في اقرب وقت ممكن ولا تأجل كثيراً لأن التأجيل سوف يساهم في نسيان النقاط والأفكار المهمة

ضع اسأله حول النقاط الأساسية فهي تساعدك على دراسة المذكرات بالإجابة عليها

لخص المحاضرة في سطور قليلة في نهاية الصفحة.

الخطاب وفوضى الثورة الخلاقة

الخطاب وفوضى الثورة الخلاقة

سهام القحطاني – السعودية

عندما نتحدث عن الخطاب في ظل ثورات الربيع العربي لا نستطيع أن نغفل ثلاث مرتكزات أساسية أنبنى عليها ذلك الخطاب وهي؛ نوع الفئة المستهدفة ونوع الرسالة ونوع الوسيلة.

 1-نوع الفئة المستهدفة.

 ركز خطاب الثورة على فئة الشباب وشحنهم للخروج إلى الشارع، واختيار الشباب لثلاثة أسباب ، السبب الأول أنهم هم أكثر المتضررين من الوضع العام الذي أنتجته الأنظمة القمعية، والسبب الثاني سهولة التواصل مع الشباب كونهم يتصفون بالعلم والخبرة في استخدام تقنيات الحواسب وآلياتها الإجرائية مثل الفيسبوك وتوتير والمدونات ، و السبب الثالث أنهم الغالبية في المجتمع.

 2-نوع الرسالة. التشجيع على نزول الشارع و التحريض على المشاركة و توزيع الخطط والمهام وربط المعلومات ونشر الصور وتداولها.

 3-نوع الوسيلة الحاسوب وآلياته مثل الفيسبوك و توتير والمدونات، و تتميز هذه الوسيلة بسرعة التغطية الإعلامية المصورة ونشرها و تداولها وما هو يزيد من فاعلية قوة تأثير المعلومة، أنها تُسهل الحصول على أكبر عدد من المؤيدين.

 و من أجل الدور الكبير الذي قامت بها صفحات الفيسبوك سميت ثورات الربيع العربي بثورات الفيسيبوك.

 وتلك المرتكزات أثرت بدورها على «نص الخطاب» «أي إنتاج العلاقات الاتصالية واستقبالها» الذي خرج من فردية الفاعل إلى تشارك الفواعل مما أضر بأصل القيمة النصية الصدق و الحقيقية لمصلحة الانفعال والتطرف.

 كما أثر على «لغة الخطاب المتداول» الذي مال إلى العامية والإيجاز والترميز أو ما يسمى بخصائص كفاية السلوك الاتصالي التي تمكن الفاعل من القدرة على اشتقاق منطوق يناسب الموقف الاقتضائي لإنتاج تفاعل جمعي.

 يتشكل الخطاب من خلال « استراتيجية القيمة» و لا وتبرز تلك القيمة في الخطاب بصورتها المجردة، إنما من خلال مجموع العلاقات والانفعالات.

 واستراتيجية القيمة في خطاب ما قبل الثورة تعتمد في تحولها على المرجع الاجتماعي، كما تلتزم بضابط المعتقد.

 من المبكر أن نحدد « نوع الاستراتيجية ما بعد « الذي سيتشكل في ضوئها خطاب ما بعد الثورة.

 لكن بصورة مبدئية يمكننا القول أن هناك استراتيجيتين يمكن أن تشكلّ أحدهما خطاب ما بعد الثورة، أو أن يُشكلان معا بالتوازي المعاكس خطابين مختلفين.

 الاستراتيجية الأولى التي ستعتمد على «ثيمة ما بعد سقوط الأبوية».

 وخطاب هذه الاستراتييجية سيكون ممثلا لخصائص الفوضى الخلاقة من إسقاط الحدود المعرفية للمفاهيم والعلاقات و هو ما يجوّز لها إلغاء الجذر الفكر للقيمة

 والتخفف من أخلاقية المبدأ و تهميش المرجع و عدم الالتزام بضابط المعتقد في ممارسة تفكيكاتها من باب تقويض المشروع المركزي أو المتبقي من السلطة الحاضرة أو ما يدخل في حسبان المشروع الأبوي.

 والاستراتيجية الثانية ستعتمد على « ثيمة ما بعد الاصطفائية» في ظل فوز التيارات الدينية ووصولها لفاعلية الحكم، وسيتصف خطابها بأحادية الإطار المعرفي للمفاهيم والعلاقات وهو ما سيُنتج تطرف رؤيتها الفكرية وما سيستتبع ذلك من إقصاء للرؤية المخالفة.

 وتشكل هذين الخطابين بعد الثورة بالتوازي سيؤدي إلى العنف الفكري بينهما وسيُنشئ صراعا بينهما على «مفهوم حرية الفكر والإبداع والفن و معاييره وحدوده المأمونة» وصراع على «المرأة وحدود حقوقها».

 وهو تشكّل بلاشك لن يتم إلا في ضوء الفوضى الثورية للقيم والمعايير.

 ويمكن تعريف الفوضى الثورية الخلاقة بأنها «الهدم الواعي لقوانين وضوابط السلم المعرفي وبنية حدود التصور للمدونة المفاهيمية التي تشكل أفكار أفراد المجتمع وعلاقاتهم وأفعالهم؛ لتجديد المدونة الفهمية للمجتمع من خلال إعادة بناء السلم المعرفي و صياغة بنية حدود التصور، وإنتاج منظومات إجرائية جديدة».

 وتمر الفوضى الخلاقة في ظل الثورات الشعبية بأربع مراحل هي مرحلة الهدم والإزاحة ومرحلة البحث ومرحلة الاختيار ومرحلة إعادة البناء.

 > مرحلة الهدم والإزاحة، وتقوم هذه المرحلة على هدم بنية و تفكيك السلم المعرفي الذي يشكل المفاهيم وينظم توزيعها الدلالي.

 تتكون المفاهيم من جزأين حد تصور ومعيار تقويم، وبالتالي أي هدم لمدونة فهمية أو بناء لمدونة فهمية ، يجب أن يهدم أو يبني قيمتين، قيمة البنية وقيمة السلم.

 والبنية في المدونة الفهمية هي «مصدر حدود التصور» والسلم في المدونة الفهميّة هو «مصدر معيار التقويم».

 وكل حد تصور في البنية يقابله بالتوازي معيار تقويم في السلم المعرفي.

 ولذلك فإن الإزاحة في مرحلة الهدم يجب تراعي هذا الأمر، أي شمول إزاحة حد التصور بمصاحبة المعيار التقويمي الموازن لها في السلم المعرفي، واضطراب الإزاحة الثنائية للحد أو للمعيار لأن يحقق «قيمة الخلاقة» في مرحلة إعادة البناء؛ لأن الباقي من الثنائية سيعق ا لإضافة، فلو بقي حد التصور لن يقبل إضافة معيار التقويم مما سينتج اضطرابا في بناء السلم المعرفي.

 ولو بقي معيار التقويم لن يقبل إضافة حد تصور مما سيُنتج اضطرابا في تأليف البنية.

 وكذلك الأمر في عملية البناء فالاكتفاء بطرف من الثنائية إضافة حد دون معيار تقويمي موازن لها، أو إضافة معيار تقويمي دون حد تصور موازن له، سيؤدي كل منهما إلى اضطراب إعادة بناء السلم المعرفي والبنية المؤلفة لحدود التصورات.

 > مرحلة البحث، وهذه المرحلة تعتمد على البحث تحت شرطية «الموازن المتكافئ»

 والبحث يجب أن يسير على أربعة مستويات ضمن شرطيتين الشرطيّة الأولى « سلامة الهوية العامة» و الشرطية الثانية تحقق «الموازن المتكافئ» وهي.

 مستوى حد التصور.

 – مستوى معيار التقويم.

 – مستوى تشابه المرجع.

 – مسjوى واقعية الناظم.

 – مستوى قبول شكل التمثيل المقترح.

 وهذه المرحلة تعترضها الكثير من الصعوبات، لأنها تحتاج على مستوى الفاعلية التنفيذية مؤهلات خاصة، أهمها عند التحيز لأي تيار فكري أو ديني أو سياسي أو أقلي.

 وتكمن صعوبة تحقيق ائتلاف موازنات متكافئة تتوافق عليها المستويات الأربعة أو تشملها.

 وأي ثنائية أو ثلاثية تؤدي إلى صراع في المجتمع.

 ولذلك تتطلب هذه المرحلة الالتزام بقانون المقاربات؛ لأنه يُسهلّ لنا التحقق من سلامة رباعية الموازن المتكافئ .

 ولصعوبة البحث في ظل الشرطيتين السابقتين قد تطول مرحلة البحث أو مرحلة «فجوة عدم الاستقرار».

 – مرحلة الاختيار؛ وهي تتضمن «الاستقرار على مجموع من الموازنات المتكافئة الملتزمة بشرطية الهوية العامة، والصالحة لإنتاج تجربة اجتماعية جديدة، والمعوّضة للمُزاح من المدونة الفهمية».

 أما مرحلة إعادة البناء، فهي «سلسلة من الإجراءات لدمج الموازنات المتكافئة في المدونة الفهمية و دعم قوانين إنتاج التأثر والتأثير».

 وسلسلة الإجراءات تلك هي التي «تعيد بناء قوانين وضوابط السلم المعرفي و بنية حدود التصور للمدونة المفاهيمية و التي ستشكل أفكار أفراد المجتمع وعلاقاتهم وأفعالهم وتُنتج منظومات إجرائية جديدة».

الأسئلة الثقافية

الأسئلة الثقافية.. جيّدها ورديئها

لمياء باعشن السعودية

تبدأ الكاتبة المتميزة سهام القحطاني مقالها ( المنشور في العدد 262ا من الثقافية بتاريخ الاثنين 26 ,ذو القعدة 1429) بعنوان يحمل سؤالاً شيقاً وهو: (هل لدينا فلسفة للسؤال الثقافي؟!)، ولكنها تستهل المقال ذاته بمقولة بين قوسين تبدو وكأنها اقتباس يقرر أن: (السؤال الثقافي الرديء هو الذي يصنع الثورة الثقافية)!..

هكذا يظهر للقارئ أن المقال لن يحاول الإجابة عن السؤال المطروح في العنوان، وأن صيغته التشويقة لن تخدم أغراضه، وأننا لن نعرف حتى نهاية المقال إن كان لدينا فلسفة للسؤال الثقافي أم لا.

بل إن القارئ وبعد أن ينهي المقال سيكتشف أن النقاش الذي انطلق من مقولة البدء هذه سيعود إليها مخالفاً بذلك كل المحاذير التي تضعها الكاتبة من استخدام الأسئلة الجيدة، فهي تفرض مقولتها وتفرد لها مساراً محدداً لتثبتها، بل (لترفعها) إلى مقام التسليم بعد إسقاطها مقولة سابقة عن السؤال الجيد جاءت في كتاب (ثقافة الأسئلة) للدكتور عبد الله الغذامي. بدلاً عن التصدي للإجابة عن سؤال العنوان ينصرف الجدل إلى إثبات مقولة الاستهلال ومحاولة إقناع القارئ بزاوية نظر الكاتبة بخصوص أفضلية السؤال الثقافي الرديء على السؤال الثقافي الجيد، والتي تحاجج بها رأي الدكتور عبد الله الغذامي القائل بأن صناعة السؤال الثقافي تتطلب توفير خلفية فنية ومنطقية تمكنه من استجلاب جواب ثقافي عميق.

ترفض سهام القحطاني السؤال الجيد على أساس النتيجة التي يقود إليها، ففي منطقها هو سؤال تقريري تسييري يضمر إجاباته ويقود المسؤول (أي الشخص المتلقي للسؤال) على مسارات محددة إلى مناحي فكرية مقصودة. هذا النوع من الأسئلة تعتبره سهام (تشريع ديكتاتوري) فهو يحتوي على مؤامرة قصدها السيطرة على فكر المسؤول وينم عن خبث السائل وذلك بإيهامه المسؤول أنه توصل للإجابات بطريقته الخاصة بينما كان مُستغلاً ومُقاداً دون اختيار حقيقي. هذا هو (التحجيز) الذي تتلمسه الاستاذة سهام في فكرة تثقيف السؤال عند الغذامي وتعترض عليه بشدة لأنه يؤدي إلى الأحادية الفكرية، فيحنما لا نحيد عن الطريق الممهدة مسبقاً تتحول الأسئلة إلى حوائط وجدران حابسة لا تسمح بالتجاوز ولا التخطي، وبالتالي تختل اجتهادية البحث مما يؤدي إلى هيمنة القطب الواحد ومن ثم إلى تجميد (الخلية الوراثية للتجربة الثقافية).

وعلى ذلك فإن الأستاذة سهام ترجح طرح الأسئلة الرديئة كونها الأقدر على إنتاج الإشكاليات والجدليات التي يتولد عنها الكثير من الإستراتيجيات والاستنتاجات الثقافية المثيرة والمثرية. ولكن في غياب تعريف واضح لمفهوم الرداءة، لا بد أن نتساءل: ما هو المقصود بالسؤال الرديء؟ هل ترادف الرداءة السوء أو السخف أو السذاجة؟ لا أعتقد، وإلا تحول السؤال من إسقاط وترفيع اليقينيات إلى الحبو على أعتاب البديهيات. ما تطمح إليه الكاتبة هو السؤال الحر، وليس الحر بمعنى البدائي الفوضوي المنفلت من كل نظام، بل ذلك الذي يفتح على آفاق غير مطروقة، لذلك فهي ترفض استغلالات السلطة الفكرية التي تحرم العقل متعة الإثراء التأويلي، لكنها تضع للحرية قيوداً قائلة: (إن حرية التأويل أو التصرف في التحليل مقيدة بالحدود التاريخية للظاهرة). ورغم ذلك فإن سمات هذا السؤال تبقى هلامية، فكل ما نعرفه جيداً أنه نقيض للسؤال الجيد، لكن الفارق بينهما قائم – كما ذكرت سابقاً – على ناتجهما، فالجيد يخفق اجتهادية البحث ويعيق آليات التفكيك والتأويل لأن محتواه مغلق، بينما يوفر الردئ قاعدة شكية تهز السلم المعرفي وتعيد تشكيل اليقينيات ترفيعاً وإسقاطاً.

باعتقادي أن المرحلة السابقة لما ستفعله الأسئلة الجيدة والرديئة هي مرحلة إعداد وصياغة وتوجيه تلك الأسئلة، لكن الاستاذة سهام لا تتفق مع الدكتور الغذامي في الطريقة التي يقترحها لتثقيف السؤال، فهو يتمسك بضرورة توفير الخلفية الفنية والمنطقية في صناعة السؤال، بينما ترى هي أن هذا التمسك (يحول السؤال إلى مشكلة بنيوية تغيّب محتوى السؤال)، كما أنها ترفض إعطاء التشكيل البنيوي أي قيمة في تحديد صفات السؤال وإلا (تساوى مضمون السطح مع مضمون السقف)، كما تقول، أي تسطّح السؤال وتجرّد. نستطيع أن نستنتج إذاً أن ما يزعج الأستاذة سهام في طبيعة السؤال الجيد أمران: أن له خلفية منطقية، وأن له بناء شكلي محدد.

لكن فقرة لاحقة في المقال تربك هذا الاستنتاج، بل وتدفع بالسؤال الرديء إلى مدارات السؤال الجيد فيبدو أنهما يتشابهان أكثر مما يختلفان. تعتقد الأستاذة سهام أن مواصفات السؤال الرديء:

(تختلف وفق خلفياتها المفترضة، اختلاف يعود إلى طبيعة المحتوى وأثر الخلفية المستخدمة، أي التقنيات اللغوية في صياغة السؤال والمضامين والتغطية الفلسفية التي توفرها تلك الصياغة لإتاحة بواطن فكرية تنمو بالتقادم فوق جدار المضامين العامة، مما يُراكم محتوى التجربة الثقافية، ويسهل ممارسة تفكيك الخلية الوراثية للتجربة الثقافية ثم الثورة الثقافية، وذلكم الإثراء لا يتم إلا في ضوء اختلافنا في صياغة بنية السؤال والذي يترتب عليه تأويلاتنا للرؤى المختلفة التي نصنفها كإجابات)!!! مفردات هذه الفقرة (خلفيات مفترضة، الخلفية المستخدمة، التقنيات اللغوية، صياغة السؤال، التغطية الفلسفية، بنية السؤال) كلها توحي بأن للسؤال الرديء أيضاً خلفية منطقية وبناء شكلي. كأن الأستاذة سهام هي الأخرى تشترط للسؤال الرديء خلفية مفترضة ومستخدمة وتقنيات لغوية صياغية كتلك التي اشترطها الغذامي لسؤاله الجيد!!

ما الفرق إذاً؟ هل ينطلق أي من هذين السؤالين من نقطة الصفر؟ من البديهي أن توافر الخلفيات أمر حيوي وإلا قاد السؤال إلى متاهة لا عودة منها، وهي حرية التهلكة التي لا يطمح لها عاقل، لذلك تقول سهام أن تحرر السؤال الرديء من السلطة القامعة: (لا يُلغي وجود تصور مبدئيّ لخلفية الدليل العقلي تقوم عليه عمليتا الإسقاط والترفيع). الخلفيات ضرورة للإضافة والحذف، للترفيع والإسقاط، إذ إن هذه العمليات تستدعي غربلة اليقينيات حتى يعاد تصنيفها، فالعلم بالثوابت الثقافية ضروري لإذابة ثباتها. وتتفق سهام مع هذا المنطق قائلة أن السؤال الردئ يعمل كمحرك: (بحث أولي لبنى الجدلية.. يُعين على التعرف على تاريخ أفكار الجدلية، وهي معرفة مهمة لاستثمارها (كخلفيات تأويل) في عملية الإضافة والتحول التي يقودها الفعل التفكيكي كمرحلة لاحقة).

حسناً، ها قد رأينا أن للسؤالين خلفية، فهل يتميز أحدهما على الآخر من ناحية الصياغة الشكلية؟ إن الخلفية المنطقية تصب في محتوى السؤال فهي منطلقاته وأسسه التي تحدد مراحل ما بعد الصفر. لكن طريقة طرح السؤال هي التي تسبغ عليه صفة الذكاء، فالسؤال الذكي يظهر ويخفي في آن دون أن يقدّس أو يجهّل السائل أو المسؤول، سؤال يحمل مضامين المعلومات السابقة ويضعها كعلامات استرشاد بينما يترك مساحات إستيعاب المجهولات اللاحقة. السؤال الحر الذكي هو ذلك السؤال الذي أُحْسنت صياغته كي يؤدي غرضه.

وبهذا نصل إلى المنطقة الشائكة في المقال: الغرض. تفترض الأستاذة سهام أن السؤال الجيد، لأنه ينطلق من خلفية منطقية واهتمام بالبنية الشكلية، له قصدية مسبقة تهدف إلى تفريغ السؤال من حمولاته المفاهيمية. لكن السؤال الردئ، كما رأينا، ينطلق أيضاً من خلفيات ويهتم بالصياغة الفنية، فهل نفهم أن السؤال الرديء هو ذلك الذي تتوفر لدى سائله النية الحسنة والقصد النبيل؟ وهل تزول عنه صفة الرداءة أو تعتريه الجودة حسب الهدف المضمر لصاحبه؟ على أي أساس منطقي يمكننا أن نربط بين الرغبة في تثقيف السؤال بتحسين خلفيته وصياغته، وبين قصديته المتسلطة التي تستحضر إجابة رقمية لها صفة ثابتة؟ ما الذي يجعل السؤال الثقافي مجرد جدولة تتحكم فيها مقاييس الصواب والخطاً، وهل تداخل في ذهن الأستاذة سهام السؤال الثقافي الفكري مع السؤال المدرسي الموجه بشكل تربوي بحت؟ والأهم من كل هذا، هل يخلو السؤال الردئ تماماً من القصدية؟

ولا يسع القارئ إلا أن يتسآءل عن عنوان مقال الاستاذة سهام (هل لدينا فلسفة للسؤال الثقافي؟!)، وهو سؤال يبقى دون إجابة كما أسلفت، فهل نصنفه على أنه سؤال جيد أم ردئ؟ ثم إن كان القصد هو معيار الفصل بين رداءة السؤال وجودته، فما هو (الغرض) من هذا النمط القحطاني في عنونة المقالات؟ إن مقالات الأستاذة سهام لها عناوين تساؤلية، من مثل: هل عندنا مليشيات ثقافية؟ وهل المثقف السعودي دكتاتوري؟، لكنها في كثير من الأحيان تتبع السؤال بعنوان ثانوي أو مدخل يحدد مسار النقاش على شاكلة: هل استغلت الرواية أنوثة المرأة السعودية؟ (تحتاج المرأة إلى تأسيس قيمة معقلنة لجسدها)، هل سيصبح باراك أوباما الرئيس؟

(أمريكا بنية أعدت للبيض…هذا بلد للبيض وحدهم) – مالكوم إكس)، هل الملتقيات النقدية قادرة على الإصلاح الثقافي؟ (شدة الضجيج لا تزرع أذناً ثالثة)!، الاختلاف الطائفي، هل هو إثراء ثقافي أم فتنة اجتماعية؟ (- لا أحد يتعلم من التاريخ -!)، هل السبيّل على حق؟ (غلطة الشاطر بألف يا دكتور).!، و هل تستطيع المثقفة كتابة سيرتها الخاصة؟ (لا نكتب عن أنفسنا إلا إذا آمنا بها). كل هذه بالطبع أسئلة ثقافية، لكن توابعها في كل مقال تعمل ليس فقط على استحضار الجواب، بل تتعدى المُضْمر إلى المصرّح به وتضع نتيجة النقاش في المقدمة كحائط تحجيزي.

فهل تدافع الأستاذة سهام القحطاني عن السؤال الردئ ونفعيته، في حين أنها لا تثق إلا في السؤال الجيد وجدواه؟

وأبين ختاماً أن أسئلتي هذه، وغيرها كثير، هي في جوهرها أسئلة جيدة، أو ربما هي رديئة، فهدفي في طرحها نبيل والغرض منها ليس مهاجمة الأخت سهام القحطاني، أو الانحياز إلى طرف الدكت ور عبد الله الغذامي، لكن فكرة المقال أعجبتني حقاً فأردت وبنية حسنة أن أشارك في جدل قائم حول ملمح فكري محدد، وأن أنخرط مع كاتبة قديرة في جدل موضوعي أتمنى أن يستمر حتى نشبعه بحثاً وتأملاً.

* * *

 

 

حق الجهل !!!

حق الجهل!!

لا أنكر أن هناك كثيرا من الإيجابيات لسنوات الربيع العربي التي لا نزال نعيشها. فقد أتاحت لكثير من الشباب العرب أن يخرجوا من حالة السبات والسلبية التي كانوا يعانون منها، ودفعت بعضهم إلى ممارسة الفعل السياسي والاجتماعي.

ويبدو لي كذلك أن هذه السنوات قد رسخت في أذهان عدد آخر من الشباب الدعوة إلى حق الجهل، مع التمسك بحق الحصول على الشهادة والوظيفة طبعا! فبعد أن ناضل طه حسين وغيره من الرواد من اجل تعميم حق التعليم ومجانيته، ظهر اليوم من ينادي بربط حق التعليم والحصول على الشهادات العليا بما فيها الدكتوراه بحق الجهل. ومن الواضح أن هناك ألف طريقة وطريقة للالتفاف على لوائح المدارس والكليات والمعاهد للحصول على الشهادة الدنيا والعليا دون أن يفقه شيئا مما يفترض أن يكون قد درسه وفق ما تنص عليه لوائح وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي وتبينه الشهادة وكشف الدرجات.

فاليوم لا تندهش إذا قابلت من يحمل شهادة عليا في الكهرباء ولا يعرف ما هي الدائرة الكهربائية، وحامل ماجستير في اللغة العربية لا يميز بين التاء المربوطة والتاء المفتوحة. (وهو بالتأكيد مسامح من التمييز بين الجين والغاف!)، أو قابلت من لا يعرف معنى (أاي ا بالإنجليزية) بعد أن أنهى بنجاح الماجستير، على الرغم من أن وزارة التعليم العالي قررت منذ سنوات ألا يقبل في الماجستير من لا يحمل التوفل (بـ400درجة!!).

وعلى الرغم من أن الطلبة والتلاميذ نظاميون غير منتسبين ويعتبرون راسبين إذا تغيبوا عن الدراسة (حتى بعذر) أكثر من 25% من الحصص أو المحاضرات، فمن الصعب اليوم أن تجد أكثر من 30% من الطلبة في الصف. طبعا هذا كله بسبب الطرق المقطوعة والكهرباء المخبوطة والسيول والمجاري الطافحة….إلخ. وطبعا من الصعب تطبيق اللوائح. أما التقويم الدراسي فعلى المدارس والجامعات الالتزام به. فالصيف قادم ورمضان على الأبواب. والكرم مطلوب من الجميع! والجهل حق!