Archives
now browsing by author
لماذا لم تعد عدن جاذبة للحضارم؟

مسعود عمشوش
من المسلم به أن عدن كانت منذ بداية وجودها –ولا تزال- مدينة كوسموبوليتية متعددة الثقافات والأجناس. ومنذ القِدم شكّــل الحضارم جزءا مهما من سكان ميناء عدن الذي كان علاقاته متينة بمينائي الشحر وبئر علي (قنا). وقد كتب الأستاذ الدكتور طه حسين هديل في دراسة له بعنوان (الحضارم في مدينة عدن ودورهم الاقتصادي في العصر الإسلامي): “كان للتواصل التجاري والعلمي بين حضرموت بمختلف مدنها وقراها وأوديتها ومدينة عدن في العصر الإسلامي دور كبير في توافد العديد من أبناء حضرموت إلى هذه المدينة التاريخية القديمة، لغرض العمل في أسواقها التجارية العريقة، أو الالتحاق بإحدى مدارسها أو مساجدها العتيقة التي ذاع صيتها في ذلك الحين في اليمن وخارجها، ومما لا شك فيه أن حصول الحضارم على غايتهم في عدن دفع ببعضهم إلى البقاء والاستقرار فيها، والعيش بين أهلها بعد اختلاطهم بهم عن طريق التزاوج والمصاهرة، أو الشراكة في المال والعمل والتعليم، وشكل من بقي في عدن عماد المجتمع العدني، وفئة أساسية فيه، إضافة إلى غيرهم ممن سكنها، لما ورد ذلك في بعض المصادر التاريخية التي عاصر مؤلفوها هؤلاء الحضارم، واختلطوا بهم في أثناء وجودهم فيها، ويعد المؤرخ الكبير ابن المجاور الدمشقي واحدًا من بين أهم الكتاب الذين عاشوا في عدن مدة من الزمن ليست بالقصيرة، واختلط بأهلها بمختلف فئاتهم من علماء وتجار وعمال وموظفين وطلاب وغيرهم، فأخذ في وصف الحضارم من بين هؤلاء على أساس أنهم هم السكان الأصليون لعدن، إضافة إلى غيرهم من الأقوام والأجناس التي عاشت في عدن؛ حيث عدَّ أن من ارتبط بعدن وعاش فيها وانتمى إليها بعمل أو دراسة أو رزق فهو من سكانها الأصليين، على الرغم من التنوع العرقي الذي كانت تعيشه هذه المدينة الضاربة جذورها في التاريخ”. واختتم د. هديل دراسته قائلا “وخلاصة القول هنا، إن مدينة عدن شكلت متنفسًا للعديد من التجار الحضارم، الذين وجدوا فيها المكان المناسب لاستثمار أموالهم ومنتجاتهم المختلفة، مما ساعد على انتعاش حركة السوق التجارية بين حضرموت وعدن، التي انتشرت في أسواقها السلع الحضرمية التي ذكرناها، مما شجع على زيادة الهجرات الحضرمية التي وصلت من مختلف الشرائح والفئات الحضرمية، لا سيما من العلماء والفقهاء الحضارم، وطلاب العلم وغيرهم ممن كانوا سببًا في نهضة عدن العلمية والفكرية”.
Read Moreتباين مواقف الكيانات والمكونات الحضرمية

تباين مواقف الكيانات والمكونات الحضرمية السياسية حول طبيعة العلاقة مع المملكة العربية السعودية سنة 1936
مسعود عمشوش
تعددت اليوم الكيانات السياسية أو شبه السياسية في حضرموت. وتباينت مواقف تلك الكيانات الحضرمية من الرغبة في إقامة علاقة متميزة ومتينة مع المملكة العربية السعودية، التي شارك عدد كبير منهم في بناء نهضتها منذ القرن التاسع العشر، ومنحت هي في الماضي الجنسية لعدد كبير منهم.
وفي الحقيقة من الواضح أن الحضارم لم يتفقوا، لا أمس ولا اليوم، حول طبيعة العلاقة التي يودون أن تربطهم بالجارة. وفي كتابنا (المستكشف هاري سانت جون فيلبي ورحلته إلى حضرموت) أبرزنا ذلك التباين من خلال عرض ردود فعل سكان حضرموت تجاه الزيارة التي قام بها لحضرموت فيلبي سنة 1936، الذي رأى فيه الحضارم حينها مبعوثا رسميا للملك عبد العزيز بن سعود إليهم، على الرغم من أنه، من خلال متابعتنا لسيرة حياة فيلبي، تبَيَّن لنا أن كثيرا من خياراته ومواقفه نبعت أصلا من رغبته في استكشاف الجزيرة العربية بشكل عام والربع الخالي بشكل خاص. وتبيّن لنا أيضا أن قراءته ومتابعته لتجارب المستكشفين الغربيين الآخرين أقنعته بضرورة التقرب من ابن سعود (سيد الجزيرة العربية) سياسيا ودينيا. ولاشك في أن علاقة فيلبي بالملك عبد العزيز كانت من أهم العوامل التي ساعدته على زيارة مناطق كثيرة في الجزيرة العربية لم يستطع زيارتها أحد من الرحالة الذين سبقوه. فخلال رحلاته الكثيرة في مختلف أجزاء الجزيرة العربية استثمر فيلبي علاقته بالملك ابن سعود إلى أقصى درجة. وفي كثير من المواقف المثيرة التي يضع نفسه فيها لم يستطع أن يُخلـِّص نفسه ومرافقيه إلا بالتأكيد أنه مبعوث الملك ابن سعود. هذا ما حدث له مثلا عند مروره بقرية ضبوع أثناء زيارته لحضرموت التي، حسب زعمه قام بها دون أن يستأذن ابن سعود. فعند وصوله إلى ضبوع كتب فيلبي “وجدناها خالية من سكانها الذين هاجروا إلى وادي صرو القريب. وقابلنا على مشارف القرية خمسة رجال من بدو ضبوع. وقد أجبرونا على التوقف. وأصبحنا بالفعل تحت رحمتهم، ذلك أن السيارة الأولى كانت قد تعرضت لمشكلة في أنبوب توصيل البترول مما اضطرنا للانتظار مدة نصف ساعة لإصلاحه. كانت مطالب الرجال الخمسة – على الرغم من أننا نصطحب اثنين من قبيلتهم- هي دفع رسوم الطريق، وهذا إجراء غير قانوني، وعندما أخبرتهم أنني ممثل لابن سعود تراجع الرجال عن مطالبهم فورا”.(بنات سبأ، ص350)
Read Moreجرأة الظفاري في عرف الخزامي

مسعود عمشوش
لن يختلف اثنان حول أن الأستاذ الدكتور جعفر عبده الظفاري كان باحثا ذكيا وواسع الاطلاع. فدراساته الأكاديمية الرائدة للشعر الحميني التي حضرها في بريطانيا دفعته إلى التنقل بين عدد كبير من مكتبات العالم مما مكنه من الاطلاع على كم هائل من المصادر العربية والأجنبية التي تتناول تاريخ بلادنا. ولعل من أبرز السمات النوعية في الخطاب العلمي الأكاديمي للظفاري اتكاءه الدائم على نمط ريادي مغاير من الطرح يتأسس على قراءات متعمقة ومتعددة لمعظم مصادر التاريخ.
وقد بدا لنا أن من أوضح ميزات هذا الخطاب وأجلاها على الإطلاق: الجرأة في تناول موضوعات تاريخية في غاية الأهمية والحساسية. ولا شك أن كثيرا ممن عرفوا الظفاري عن قرب قد لمسوا تلك الجرأة التي يتميز بها الأستاذ د. جعفر الظفاري في جوانب عدة من شخصيته. فهو العالم الذي رفع شعار (لا تقف على ما ليس لك به علم) وتوسم في نفسه المقدرة على التمعن في موضوعات هي في الحقيقة “أمور يمر بها كتاب العربية دون أدنى تمعن”.
وفي هذه المقالة الموجزة لن نتطرق إلا إلى جرأة الظفاري في ما طرحه من أفكار موثقة كتابيا في الدراستين التي ضمنهما كتابه (عرف الخزامي: دراسات في التاريخ اليمن)، وسنهمل تلك الآراء الجريئة التي كان يرددها لكنه لم يوثقها في بحث منشور أو مستقل.
Read Moreجرأة الظفاري في ملاحظاته حول القانون 22 والقرار الوزاري
مسعود عمشوش

بعد عودتي من فرنسا في منتصف سنة ١٩٨١، أشرف الدكتور جعفر الظفاري على جميع إجراءات تعييني في جامعة عدن. ومنذ ذلك الحين ربطتني به علاقة علمية طيبة، وشجعني على ممارسة الترجمة والتركيز على ما كتبه الغربيون عن بلادنا. وبعد حصولي على لقب أستاذ مساعد والدكتوراه سنة ١٩٨٨ شجعني على الإسراع في التقديم لطلب لقب أستاذ مشارك، وكان هو من بين لجنة تحكيم أبحاثي.
وبعد وفاته في سنة 2009 طلبت مني لجنة إعداد كتاب التأبين إعداد مشاركة لضمها في الكتاب. وانكببت فعلا على الكتابة حول الجانب الذي شدني كثيرا في شخصية الظفاري: الجرأة. وكتبت مقالة بحثية أولى بعنوان (جرأة الظفاري في عرف الخزامي)، وقدمتها للجنة إعداد الكتاب. لكني فوجئت بعدم اعتمادها فنشرتها في الصحافة. وكتبت مقالة بحثية أخرى بعنوان (جرأة الظفاري في ملاحظاته حول القانون ٢٢ والقرار الوزاري)، حاولت أن استكشف فيها أسباب انسحاب جعفر الظفاري من منصب نائب رئيس جامعة عدن للشؤون الأكاديمية سنة ١٩٨٢، بعد تعيين د. سالم عمر بكير رئيسا للجامعة ود. عمر علي نائبا سياسيا له. وبما أن هناك من يحاول تفسير الانسحاب الإرادي للظفاري من منصبه بأسباب أخرى، فضلت الاحتفاظ بالمقالة في الدرج. وها أنا ذا اليوم أسحبها من مخبأها وأقدمها للقارئ.
Read More