موقع ثقافي تعليمي

هدية وساعة الأستاذ

نصان للقاص سالم خميس

هدية

– بخمسمائة ..صرخ به رجل مترهل – -بخمسمائة .. صرخ به رجل مترهل الأرداف، يضع يده داخل كيس تبغ صغير، والرماد ينسكب على فخذيه  رفع يده قبل أن تلامس باقة الورد، استدار بعد نظرة مكسورة وخرج من باب بائع الورد .. عاد بعد أسبوع، التقف باقة ورد، صفع بالنقود كف البائع العجوز، تراجع خطوة واحدة، بقي العجوز ممسكاً بمعصمه وأومأ برأسه إلى باقة الورد .
-أعني الواحدة ..
-ماذا ؟؟
ومن دون جدال جذب الباقة من يده وأعطاه وردة واحدة .

غادر مسرعاً وهو يرتب الجُمل العذبة ، يرتب ابتسامته ولبسه المستعار..، هذه هديته الأولى .
أضاع الكثير مما حفظ وهو يطرق الباب .فقط تذكر لقطة الفيلم التي ألهمته الفكرة ، خبأ يده خلف ظهره ممسكاً بالوردة . ينفث نفساً تكتل بداخله كمن ينفث دخان سيجارته بضجر .. فتحت الباب.. ،فاتنة ، راح يهرول في عينيها ، مشتت بين سحرهما وعذوبة الابتسامة، لا يحول بين التصاق عينيه بوجهها إلا انسكاب شعرها المحاول الحفاظ على مفاتنها من النتف من قبل عينيه ، في إطار وجه اختصر أبيات الغزل ،ونوادر النثر في مدح الجمال . لم يستطع أن يجد في مخيلته شئ مما حفظه للموقف ، وكأنه قد نسي لما هو هنا ؟ .تذكر الوردة ، سلها من خلف ظهره وراح في ارتباك يبرزها بمهل ، بالقرب من صدره أولاً ثم مدها إليها وهو يحاول السيطرة على ارتجاف يده ..
-واااوو أهذه لي ؟
-نعم لكِ . يحاول أن لا تتعثر كلماته في حنجرته، يطبع الإبتسامة على وجهه الطافح بالخجل..
-أنا حقاً مسرورة ، يبدو أن هذا يوم سعدي ، أنظر إلى كل هذه الورود التي حصلت عليها ..
مط عنقه قليلاً ، المكان مملوء بألوان طيفية من الورود ، على الطاولة كانت هناك باقة ورد ضخمة يبرز منها كرت أبيض ، كتب عليه بخط اليد ( عيد ميلاد سعيد حبيبتي)..

 

ساعة الأستاذ

يستمر الأستاذ بصوته الرزين وخطواته المحسوبة- ثلاث خطوات إلى الأمام وخطوتان إلى الخلف، ثم خطوة إلى الأمام وخطوتان إلى الخلف- في ترتيل الدرس الذي يحفظه ويلقيه كما لو كان بطريقة لا إرادية. في شرودي إلا عن مراقبة أسلوبه في الحركة، ينقضي معظم وقت الحصة الدراسية …
بنبرة مختلفة يرفع صوته، وموضوع جديدة رن بطبلة فؤادي، بطريقة أثارت في جسدي قشعريرة، متوعداً ومحذراً، صدح وهو يلوح بسبابته في السماء كعصاً جافة (ستقوم الساعة، وعندما تقوم الساعة، سوف تتحطم الأرض، ويكون الناس موتا كالفَراش، ولن تنفعكم أمهاتكم، ولا آباؤكم، ولا إخوانكم) وراح يكمل بينما أخذ صوته يخفت ويتلاشى إلى أن انعزلت تماماً بخيالي عن كل محيطي ورحت أسبح في خيالات ذلك اليوم وكُرَبه، يوقظني فقط زميلي وهو يجرني :
-فسحة ديار ، فسحة ديار ..
في البيت الخوف يملأ براءة نظراتي ، تطفح به ملاعق شهيتي .
-يمه ، الحين خلاص كل شيء يتدمر ونموت؟
-نموت؟! ليش يا ولدي فال الله ولا فالك.
-الأستاذ قال لما تقوم الساعة خلاص كل شيء ينتهي ويموت البشر وكل شي..
لملمتني وهي تبتسم ، وراحت تطمئنني ، لكنها لم تقل ما أريد سماعه عن قيام الساعة.
أسترق- مهرولاً متوجساً- قراءة سريعة لجدران المنزل من حين إلى اخر
طوال عشرة أيام ، وحينما بدأ عالمي يسرقني من خوفي ، ويطمر توجسي ، حدث ما كنت أنتظر ، لوهلة كنت أترنح ، بفك متدلي ، ثم ركضت في نفسي ثم في ممرات المنزل ، ارتطم بالجدران وكل ما يقف بدربي ، أبحث وأصرخ .
-يمه ..يمه..يمااااه ..من المطبخ لقفت يدها أجرها ،وكنت أعديها بالرعب من دون قصد ، تركض خلفي منحنية حتى وقفنا بصدر المجلس، أشير بيدي المرتعشة إلى جبهة الجدار
-انظري لقد قامت الساعة (توقفت)

Comments are Closed