دروس
now browsing by category
مهارة تدوين المحاضرات

المهارة الثانية:
مهارة كتابة المحاضرات الجامعية
(المهارات لا تكتسب بمجرد معرفة ماهيتها أو تعريفها بل بالممارسة والتمرن والصبر والمثابرة. وأعتقد أن من أهم معوقات التعليم في بلادنا العربية حصره في تلقين المعارف والتعريفات وإهماله لجوانب التطبيق والتدريب والتمرين)
كتابة المحاضرات الجامعية مهارة. وهي مهارة تفترض إتقان مهارات أخرى. أهمها مهارة الإصغاء؛ أي الاستماع بانتباه وذهن يقظ لاستيعاب الكلام أو النص الشفهي، ومهارة التلخيص؛ لأن المطلوب عند تدوين المحاضرة تدوين ملخص ما يقوله المحاضر وليس كل كلمة يقولها، وكذلك مهارة التعبير، لأن على الطالب أن يلخص المحاضرة بأسلوب شخصي سليم وجميل.
لذلك قبل التقدم في قراءة هذه المهارة ندعو القارئ إلى الاطلاع على ما كتبناه عن مهارة التلخيص، حيث كتبنا: التلخيص تمرين على إعادة صياغة المقروء أو المسموع بشكل موجز ومركز في أسلوب شخصي سليم وواضح، مع المحافظة على الأفكار الرئيسية ويحتاج الطالب والطالبة في دراستهما إلى تلخيص المحاضرات والدروس، كما يحتاجان إليه عند الإجابة عن أسئلة الاختبارات بجمع أفكار الإجابة في سطور قليلة.
ولكي تتمكن من تدوين مذكرات جامعية (أو غير جامعية) مفيدة عليك أن تحرص على الجلوس في مقدمة القاعة (في الصف الأول إن أمكن)، والابتعاد عن الزملاء الثرثارين، والتزود بقلم ممتاز وكراسة حلزونية ذات ورق كبير (حجم A4 إن أمكن ليسهل وضعها في ملف خاص فيما بعد).
وهناك طريقتان لكتابة المحاضرات في كراسة المحاضرات:
أ- الطريقة التقليدية: وهي الطريقة التي تعتمد خطوات التلخيص للنص الشفهي، وتكمن في الاصغاء المركز وتحديد الفكرة أو الأفكار الرئيسة في كل جزء من المحاضرة ثم تدوينها بتركيز وإيجاز وربطها بالفكرة التالية. وتدوين الأفكار الفرعية إن وجدت، واختيار أقل قدر من الأمثلة. وقد اثبتت هذه الطريقة جدارتها على مر العصور ومع ذلك فقد يجد بعض الطلاب صعوبة في استخدام هذه الطريقة لاسيما إذا كانوا من الطلاب الذين لا يجيدون تسجيل الأفكار الرئيسية من المحاضرات أثناء الاستماع إليها وفهمها
ب- طريقة كورنيل وهي الطريقة التي طورتها جامعة كورنيل الأمريكية وأهم سمة تميز هذه الطريقة هي أن يقوم الطالب بتقسيم ورقة الدفتر الى قسمين القسم الأول يبعد مسافة 8سم من الهامش جهة اليسار وبهذا تكون الصفحة مجزئة الى جزئين الأيمن ضيق والأيسر واسع ..يستخدم الجزء الأيمن في تسجيل نقاط المحاضرة مع الشروحات والتعليقات وبعد انتهاء القسم الأيمن يكون دور الجزء الأيسر وذلك بأن يعيد الطالب في أقرب وقت ممكن قراءة المحاضرة وتسجيل المفاهيم والأفكار المستخلصة على هذا القسم وقد ثبت بالتجربة أن هذه الطريقة جيدة للطلاب الذين يستصعبون استخدام الطريقة التقليدية. وعموما تذكر أن كتابة المحاضرات هي مهارة شخصية وكل طالب له أسلوبه في الكتابة المهم اختيار الطريقة الأنسب بالنسبة لك سواءً الطريقة الأولى أو الثانية أو استخدام اسلوب الدمج بين الطريقتين. وتوظف هذه الطريقة الاختصارات التي يمكن استخدامها في الطريقة التقليدية أيضا.
نصائح ينبغي اتباعها عند تدوين المحاضرات
سجل عنوان المحاضرة وتاريخها. وعادة يحرص المدرس الجيد على كتابة عنوان الحاضرة وعناصرها في السبورة.
ركز ذهنك على العناصر والأفكار الرئيسة ولا تكتب كل كلمه يذكرها المحاضر دون تركيز وفهم.. والقاعدة المستخدمة في ذلك
– افهم واستوعب أولاً
– ثم دون ويجب التميز بين ما يتصل مباشرة بموضوع المحاضرة، والهوامش او والأمثلة والنكات والأحاديث الجانبية التي يخرج بها الأستاذ عن صلب المحاضرة.
– اكتب المصطلحات والمفاهيم واي نقاط يسجلها الأستاذ على السبورة كالرسوم والشروحات والعناصر الرئيسية
– اتبع نظاما جيداً للترقيم لكي تميز بين الموضوع الرئيسي والفرعي والعناصر الصغيرة
تنقيح المحاضرات
-بعد تلخيص/تدوين المحاضرة يأتي دور التنقيح. وفي تنقيحك للمحاضرة اتبع الخطوات التالية
اولاً : اقرأ المذكرات واستكمل ما نقص منها ويمكنك الاستعانة بمذكرات زملائك لتلافي أي نقص في مذكراتك.
– وحاول ان تنقح المحاضرة في اقرب وقت ممكن ولا تأجل كثيراً لأن التأجيل سوف يساهم في نسيان النقاط والأفكار المهمة
ضع اسأله حول النقاط الأساسية فهي تساعدك على دراسة المذكرات بالإجابة عليها
لخص المحاضرة في سطور قليلة في نهاية الصفحة.
مهارة التلخيص

المهارة الأولى: مهارة التلخيص
(المهارات لا تكتسب بمجرد معرفة ماهيتها أو تعريفها بل بالممارسة والتمرن والصبر والمثابرة. وأعتقد أن من أهم معوقات التعليم في بلادنا العربية حصره في تلقين المعارف والتعريفات وإهماله لجوانب التطبيق والتدريب والتمرين)
مهارة التلخيص تتضمن وتفترض اتقان مهارات أخرى مهمة جدا: هي مهارات الفهم والاستيعاب (للكلام والنصوص) أي إتقان مهارة الإصغاء والاستماع والقراءة النشطة، وكذلك مهارة التعبير (الكلامي والكتابي) التي بواسطتها سنقوم بصياغة تلخيصنا. وكلها مهارات لا تكتسب الا بالممارسة والتمرن والصبر والمثابرة.
لذا فالتلخيص أداة فعالة ومضمونة لمراقبة الفهم والاستيعاب. لما يقال ويسمع ولما يكتب ويقرأـ
التلخيص تمرين على إعادة صياغة المقروء أو المسموع بشكل موجز ومركز في أسلوب شخصي سليم وواضح، مع المحافظة على الأفكار الرئيسية ويحتاج الطالب والطالبة في دراستهما إلى تلخيص المحاضرات والدروس، كما يحتاجان إليه عند الإجابة عن أسئلة الاختبارات بجمع أفكار الإجابة في سطور قليلة.
وحينما كنت في المستوى الأول من الجامعة كانت المدرسة تدخل وتطلب منا أن نلخص صفحة من كتاب بعد أن تقوم بقراءتها علينا مرتين. وفي البدء كان التمرين صعبا جدا ثم تعودنا على الاستماع بتركيز لنستوعب ما نسمع.
ما المقصود بالتلخيص ؟
هو إبراز النص الأصلي في عدد قليل من الكلمات مع الحفاظ على صلب النص المكتوب دون إخلال بالمضمون أو إبهام في الصياغة، فنحن حين نلخص عبارة فإننا نستخلص منها الفكرة الأساسية التي تتضمنها
خطوات التلخيص :
1ـ قراءة النص قراءة استكشافية : لإدراك الفكرة الأساسية التي يتضمنها النص .
2ـ قراءة النص مرة ثانية قراءة متمعنة وتحديد الكلمات المفتاحية : هي الكلمات التي تتضمن الفكرة التي تتناولها كل فقرة أو كل جزء من النص المقروء أو المسموع
3ـ كتابة التلخيص : وأسلم طريقة لكتابة التلخيص هي أن نضع النص الأصلي جانبا بعد اتمام الخطوتين السابقتين ،ثم نكتب التلخيص من استيعابنا للفقرة . هذه الطريقة تجنبنا الوقوع في خطأ وضع النص الأصلي أمامنا والتقاط بعض الجمل بنصها منه ، ثم ربط بعضها ببعض فنخرج بهذه الطريقة غير السليمة باقتباس وليس تلخيصا ،بل ربما ينتج عن ذلك إفساد للمعنى الذي يقصده الكاتب ،وبالتالي نخرج بتلخيص مهلهل وغير سليم .
4ـ مراجعة التلخيص بعد كتابته بالطريقة التي ذكرناها؛ وذلك للتحقق من صحة التلخيص للأصل وما تقتضيه المراجعة من تعديلات على التلخيص نحوا وإملاء وأسلوبا.
المرحلة الأول: قراءة النص الأصلي قراءة متأنية فاحصة واستيعاب مضمونه وأهدافه.
المرحلة الثانية: تدوين الأفكار الرئيسية ” أثناء القراءة ” في مذكرات مختصرة خارجية او في الهامش.
المرحلة الثالثة: إعادة صياغة الفكرة أو الأفكار الرئيسية بأسلوبك الخاص بإيجاز محكم بدون إضافة أو تعليق مراعية السمات التالية:-
أ) تنقيح الكتابة للتأكد من وجود التتابع المنطقي وتسلسل الأفكار كما وردت في النص الأصلي.
ب) التأكد من سلامة التلخيص من الأخطاء اللغوية والنحوية.
جـ) تجنب التعديل أو التحريف المخل الذي يشوه ويغير المعنى الأصلي.
د) أن لا يتجاوز التلخيص للموضوع الثلث من النص الأصلي ونادراً ما تأتي في نفس الحجم الأصلي من حيث الطول.
هـ) الاستعانة بالمعاجم اللغوية عن فهم بعض المفردات والاصطلاحات العلمية أو الفنية أو اللغوية في الموضوع.
مبادئ أساسية يجب أن تراعى في التلخيص :
1. الاستغناء عن التفاصيل والمناقشات المتعددة الواردة في الأصل .
2. عدم تحريف أو تشويه المعلومات الواردة في الأصل .
3. عدم إهمال المراجع والأدلة التي اعتمد عليها النص.
4. لا بأس من ذكر تعليقات أو تنويهات يضيفها الكاتب إذا رأى في ذلك إثراء للنص الأصلي.
5. إدراك أن نسبة طول الملخص إلى طول الموضوع الأصلي تختلف باختلاف تكثيف النص الأصلي .فقد يكون النص الأصلي مركزا تركيزا واضحا لا تستطيع أن تختصره كثيرا ، مثل التعريفات أو الخلاصات النحوية .
مهارات التلخيص :
• كل موضوع يتكون من عدة عناصر .
• وكل عنصر يسمى ( فقرة)
• الفقرة تتكون من جمل قليلة أو كثيرة .
• في نهاية الفقرة توضع نقطة ( . )
كيف تلخص الفقرة ؟
• من السهل عليك أن تلخص الفقرة إذا حصلت على مفتاحها .
• للحصول على مفتاح الفقرة طريقتان :
1. أن تضع لها عنوانا ؛فيكون العنوان مفتاح التلخيص .
2. أن تختار من الفقرة جملة تكون مفتاح التلخيص .
والأسس الفنية للتلخيص هي:
1- الفهم الواعي والاستيعاب الدقيق لموضوع التلخيص.
2- فهم الفكرة الأساسية في الفقرة، والأفكار الجزئية التي تندرج تحتها.
3- معرفة الجمل الأساسية ، والجمل المفسرة الشارحة، والجمل المؤكدة والمعللة.
4- معرفة الجمل المفتاحية التي تبدأ بها الفقرة.
5- إعادة صياغة الفقرة مع الحفاظ على الأفكار الأساسية، وحذف الجمل المترادفة والتكرار والحشو مع بقاء جمل التعليل.
6- تحديد الفكرة المحورية للموضوع.
7- معرفة المساحة التي سيعرض فيها التلخيص، فقد تكون مساحة محدودة جداً لا تتسع لأكثر من الفكرة المحورية، وقد تتسع لإيراد الفكرة الرئيسية ، وقد تزداد اتساعاً فتسمح بإيراد بعض التفاصيل.
8- التعبير يكون بألفاظ المُلَخِص، وقد يسمح بالاستعانة ببعض ألفاظ الموضوع وخاصة المصطلحات العلمية.
9- لابد من الالتزام بالأمانة العلمية عند التلخيص فتكتب أفكار الكاتب وآراؤه، كما هي دون تدخل من المُلخِّص إلا في حالة التعليق النهائي إذا تطلب التلخيص ذلك.
10- إذا كان الموضوع يتضمن بعض الاستشهادات تذكر بمعناها ولا بد من توخي الدقة إذا كان الاستشهاد بمعنى آية قرآنية كريمة. وكذلك الشأن بالنسبة للحوار يثبت مضمون الحوار فقط.
كيف تلخص موضوعا أو رسالة ؟
يراعى في تقدير درجات التلخيص المهارات الآتية :
1. أن تهتم بالأفكار الأساسية .
2. أن تراعي التسلسل المنطقي في عرض الأفكار .
3. التحرر من لغة الموضوع الأصلية .
4. مراعاة الوقف والترقيم .
5. تجنب التكرار .
في تدريس المهارة :
لا توجد طريقة واحدة للتدريس بل هناك طرق عديدة ،ولكل شيخ طريقته كما يقولون ،ولكن هناك بعض الأسس التي ينبغي مراعاته في كل فن من فنون اللغة فعلى سبيل المثال لا الحصر نتبع في تعليم التلخيص الآتي :
1. مقدمة يسيرة عن الإطناب في اللغة العربية.
2. إعداد نص مما سلفت الإشارة إليه .
3. قراءته على الطلاب من قبل المعلم .
4. قراءة بعض الطلاب له عدة مرات .
5. تأمين نسخ بين أيدي الطلاب .
6. تدريب الطلاب على تحديد فكرته العامة وأهم الأفكار الرئيسة .
7. تدريب الطلاب على استبعاد المعاني الثانوية، والزينات اللفظية والاستطراد ات ،وغيرها من خلال ما سبق بيانه عن الإطناب في اللغة العربية .
8. تدريب الطلاب على التعبير بأسلوبهم عن الأفكار الرئيسة وفق المسموح به من السطور .
9. الوصول إلى النموذج الأمثل للتلخيص المطلوب .
10. المراجعة النهائية والدقة في الكتابة .
11. يفضل أسلوب التعلم التعاوني .
كيفية تقويمه :
إما أن يكون شفهيا وإما كتابيا فيراعى بالتالي في تقويم العمل المهارات الأساسية للتعبير الشفهي والكتابي من الجرأة والطلاقة في الحديث والثقة في النفس وترتيب الأفكار في أسلوب جيد ومرتب وعدم الإخلال بالنص من حيث الأفكار الأساسية والبعد عن النقل الحرفي, والتعبير بأسلوب الملخص نفسه .والتعبير الصحيح للكتابة العربية من جودة الخط ومراعاة علامات الترقيم وتجنب الأخطاء الإملائية والنحوية….الخ
الأسئلة الثقافية

الأسئلة الثقافية.. جيّدها ورديئها
لمياء باعشن السعودية
تبدأ الكاتبة المتميزة سهام القحطاني مقالها ( المنشور في العدد 262ا من الثقافية بتاريخ الاثنين 26 ,ذو القعدة 1429) بعنوان يحمل سؤالاً شيقاً وهو: (هل لدينا فلسفة للسؤال الثقافي؟!)، ولكنها تستهل المقال ذاته بمقولة بين قوسين تبدو وكأنها اقتباس يقرر أن: (السؤال الثقافي الرديء هو الذي يصنع الثورة الثقافية)!..
هكذا يظهر للقارئ أن المقال لن يحاول الإجابة عن السؤال المطروح في العنوان، وأن صيغته التشويقة لن تخدم أغراضه، وأننا لن نعرف حتى نهاية المقال إن كان لدينا فلسفة للسؤال الثقافي أم لا.
بل إن القارئ وبعد أن ينهي المقال سيكتشف أن النقاش الذي انطلق من مقولة البدء هذه سيعود إليها مخالفاً بذلك كل المحاذير التي تضعها الكاتبة من استخدام الأسئلة الجيدة، فهي تفرض مقولتها وتفرد لها مساراً محدداً لتثبتها، بل (لترفعها) إلى مقام التسليم بعد إسقاطها مقولة سابقة عن السؤال الجيد جاءت في كتاب (ثقافة الأسئلة) للدكتور عبد الله الغذامي. بدلاً عن التصدي للإجابة عن سؤال العنوان ينصرف الجدل إلى إثبات مقولة الاستهلال ومحاولة إقناع القارئ بزاوية نظر الكاتبة بخصوص أفضلية السؤال الثقافي الرديء على السؤال الثقافي الجيد، والتي تحاجج بها رأي الدكتور عبد الله الغذامي القائل بأن صناعة السؤال الثقافي تتطلب توفير خلفية فنية ومنطقية تمكنه من استجلاب جواب ثقافي عميق.
ترفض سهام القحطاني السؤال الجيد على أساس النتيجة التي يقود إليها، ففي منطقها هو سؤال تقريري تسييري يضمر إجاباته ويقود المسؤول (أي الشخص المتلقي للسؤال) على مسارات محددة إلى مناحي فكرية مقصودة. هذا النوع من الأسئلة تعتبره سهام (تشريع ديكتاتوري) فهو يحتوي على مؤامرة قصدها السيطرة على فكر المسؤول وينم عن خبث السائل وذلك بإيهامه المسؤول أنه توصل للإجابات بطريقته الخاصة بينما كان مُستغلاً ومُقاداً دون اختيار حقيقي. هذا هو (التحجيز) الذي تتلمسه الاستاذة سهام في فكرة تثقيف السؤال عند الغذامي وتعترض عليه بشدة لأنه يؤدي إلى الأحادية الفكرية، فيحنما لا نحيد عن الطريق الممهدة مسبقاً تتحول الأسئلة إلى حوائط وجدران حابسة لا تسمح بالتجاوز ولا التخطي، وبالتالي تختل اجتهادية البحث مما يؤدي إلى هيمنة القطب الواحد ومن ثم إلى تجميد (الخلية الوراثية للتجربة الثقافية).
وعلى ذلك فإن الأستاذة سهام ترجح طرح الأسئلة الرديئة كونها الأقدر على إنتاج الإشكاليات والجدليات التي يتولد عنها الكثير من الإستراتيجيات والاستنتاجات الثقافية المثيرة والمثرية. ولكن في غياب تعريف واضح لمفهوم الرداءة، لا بد أن نتساءل: ما هو المقصود بالسؤال الرديء؟ هل ترادف الرداءة السوء أو السخف أو السذاجة؟ لا أعتقد، وإلا تحول السؤال من إسقاط وترفيع اليقينيات إلى الحبو على أعتاب البديهيات. ما تطمح إليه الكاتبة هو السؤال الحر، وليس الحر بمعنى البدائي الفوضوي المنفلت من كل نظام، بل ذلك الذي يفتح على آفاق غير مطروقة، لذلك فهي ترفض استغلالات السلطة الفكرية التي تحرم العقل متعة الإثراء التأويلي، لكنها تضع للحرية قيوداً قائلة: (إن حرية التأويل أو التصرف في التحليل مقيدة بالحدود التاريخية للظاهرة). ورغم ذلك فإن سمات هذا السؤال تبقى هلامية، فكل ما نعرفه جيداً أنه نقيض للسؤال الجيد، لكن الفارق بينهما قائم – كما ذكرت سابقاً – على ناتجهما، فالجيد يخفق اجتهادية البحث ويعيق آليات التفكيك والتأويل لأن محتواه مغلق، بينما يوفر الردئ قاعدة شكية تهز السلم المعرفي وتعيد تشكيل اليقينيات ترفيعاً وإسقاطاً.
باعتقادي أن المرحلة السابقة لما ستفعله الأسئلة الجيدة والرديئة هي مرحلة إعداد وصياغة وتوجيه تلك الأسئلة، لكن الاستاذة سهام لا تتفق مع الدكتور الغذامي في الطريقة التي يقترحها لتثقيف السؤال، فهو يتمسك بضرورة توفير الخلفية الفنية والمنطقية في صناعة السؤال، بينما ترى هي أن هذا التمسك (يحول السؤال إلى مشكلة بنيوية تغيّب محتوى السؤال)، كما أنها ترفض إعطاء التشكيل البنيوي أي قيمة في تحديد صفات السؤال وإلا (تساوى مضمون السطح مع مضمون السقف)، كما تقول، أي تسطّح السؤال وتجرّد. نستطيع أن نستنتج إذاً أن ما يزعج الأستاذة سهام في طبيعة السؤال الجيد أمران: أن له خلفية منطقية، وأن له بناء شكلي محدد.
لكن فقرة لاحقة في المقال تربك هذا الاستنتاج، بل وتدفع بالسؤال الرديء إلى مدارات السؤال الجيد فيبدو أنهما يتشابهان أكثر مما يختلفان. تعتقد الأستاذة سهام أن مواصفات السؤال الرديء:
(تختلف وفق خلفياتها المفترضة، اختلاف يعود إلى طبيعة المحتوى وأثر الخلفية المستخدمة، أي التقنيات اللغوية في صياغة السؤال والمضامين والتغطية الفلسفية التي توفرها تلك الصياغة لإتاحة بواطن فكرية تنمو بالتقادم فوق جدار المضامين العامة، مما يُراكم محتوى التجربة الثقافية، ويسهل ممارسة تفكيك الخلية الوراثية للتجربة الثقافية ثم الثورة الثقافية، وذلكم الإثراء لا يتم إلا في ضوء اختلافنا في صياغة بنية السؤال والذي يترتب عليه تأويلاتنا للرؤى المختلفة التي نصنفها كإجابات)!!! مفردات هذه الفقرة (خلفيات مفترضة، الخلفية المستخدمة، التقنيات اللغوية، صياغة السؤال، التغطية الفلسفية، بنية السؤال) كلها توحي بأن للسؤال الرديء أيضاً خلفية منطقية وبناء شكلي. كأن الأستاذة سهام هي الأخرى تشترط للسؤال الرديء خلفية مفترضة ومستخدمة وتقنيات لغوية صياغية كتلك التي اشترطها الغذامي لسؤاله الجيد!!
ما الفرق إذاً؟ هل ينطلق أي من هذين السؤالين من نقطة الصفر؟ من البديهي أن توافر الخلفيات أمر حيوي وإلا قاد السؤال إلى متاهة لا عودة منها، وهي حرية التهلكة التي لا يطمح لها عاقل، لذلك تقول سهام أن تحرر السؤال الرديء من السلطة القامعة: (لا يُلغي وجود تصور مبدئيّ لخلفية الدليل العقلي تقوم عليه عمليتا الإسقاط والترفيع). الخلفيات ضرورة للإضافة والحذف، للترفيع والإسقاط، إذ إن هذه العمليات تستدعي غربلة اليقينيات حتى يعاد تصنيفها، فالعلم بالثوابت الثقافية ضروري لإذابة ثباتها. وتتفق سهام مع هذا المنطق قائلة أن السؤال الردئ يعمل كمحرك: (بحث أولي لبنى الجدلية.. يُعين على التعرف على تاريخ أفكار الجدلية، وهي معرفة مهمة لاستثمارها (كخلفيات تأويل) في عملية الإضافة والتحول التي يقودها الفعل التفكيكي كمرحلة لاحقة).
حسناً، ها قد رأينا أن للسؤالين خلفية، فهل يتميز أحدهما على الآخر من ناحية الصياغة الشكلية؟ إن الخلفية المنطقية تصب في محتوى السؤال فهي منطلقاته وأسسه التي تحدد مراحل ما بعد الصفر. لكن طريقة طرح السؤال هي التي تسبغ عليه صفة الذكاء، فالسؤال الذكي يظهر ويخفي في آن دون أن يقدّس أو يجهّل السائل أو المسؤول، سؤال يحمل مضامين المعلومات السابقة ويضعها كعلامات استرشاد بينما يترك مساحات إستيعاب المجهولات اللاحقة. السؤال الحر الذكي هو ذلك السؤال الذي أُحْسنت صياغته كي يؤدي غرضه.
وبهذا نصل إلى المنطقة الشائكة في المقال: الغرض. تفترض الأستاذة سهام أن السؤال الجيد، لأنه ينطلق من خلفية منطقية واهتمام بالبنية الشكلية، له قصدية مسبقة تهدف إلى تفريغ السؤال من حمولاته المفاهيمية. لكن السؤال الردئ، كما رأينا، ينطلق أيضاً من خلفيات ويهتم بالصياغة الفنية، فهل نفهم أن السؤال الرديء هو ذلك الذي تتوفر لدى سائله النية الحسنة والقصد النبيل؟ وهل تزول عنه صفة الرداءة أو تعتريه الجودة حسب الهدف المضمر لصاحبه؟ على أي أساس منطقي يمكننا أن نربط بين الرغبة في تثقيف السؤال بتحسين خلفيته وصياغته، وبين قصديته المتسلطة التي تستحضر إجابة رقمية لها صفة ثابتة؟ ما الذي يجعل السؤال الثقافي مجرد جدولة تتحكم فيها مقاييس الصواب والخطاً، وهل تداخل في ذهن الأستاذة سهام السؤال الثقافي الفكري مع السؤال المدرسي الموجه بشكل تربوي بحت؟ والأهم من كل هذا، هل يخلو السؤال الردئ تماماً من القصدية؟
ولا يسع القارئ إلا أن يتسآءل عن عنوان مقال الاستاذة سهام (هل لدينا فلسفة للسؤال الثقافي؟!)، وهو سؤال يبقى دون إجابة كما أسلفت، فهل نصنفه على أنه سؤال جيد أم ردئ؟ ثم إن كان القصد هو معيار الفصل بين رداءة السؤال وجودته، فما هو (الغرض) من هذا النمط القحطاني في عنونة المقالات؟ إن مقالات الأستاذة سهام لها عناوين تساؤلية، من مثل: هل عندنا مليشيات ثقافية؟ وهل المثقف السعودي دكتاتوري؟، لكنها في كثير من الأحيان تتبع السؤال بعنوان ثانوي أو مدخل يحدد مسار النقاش على شاكلة: هل استغلت الرواية أنوثة المرأة السعودية؟ (تحتاج المرأة إلى تأسيس قيمة معقلنة لجسدها)، هل سيصبح باراك أوباما الرئيس؟
(أمريكا بنية أعدت للبيض…هذا بلد للبيض وحدهم) – مالكوم إكس)، هل الملتقيات النقدية قادرة على الإصلاح الثقافي؟ (شدة الضجيج لا تزرع أذناً ثالثة)!، الاختلاف الطائفي، هل هو إثراء ثقافي أم فتنة اجتماعية؟ (- لا أحد يتعلم من التاريخ -!)، هل السبيّل على حق؟ (غلطة الشاطر بألف يا دكتور).!، و هل تستطيع المثقفة كتابة سيرتها الخاصة؟ (لا نكتب عن أنفسنا إلا إذا آمنا بها). كل هذه بالطبع أسئلة ثقافية، لكن توابعها في كل مقال تعمل ليس فقط على استحضار الجواب، بل تتعدى المُضْمر إلى المصرّح به وتضع نتيجة النقاش في المقدمة كحائط تحجيزي.
فهل تدافع الأستاذة سهام القحطاني عن السؤال الردئ ونفعيته، في حين أنها لا تثق إلا في السؤال الجيد وجدواه؟
وأبين ختاماً أن أسئلتي هذه، وغيرها كثير، هي في جوهرها أسئلة جيدة، أو ربما هي رديئة، فهدفي في طرحها نبيل والغرض منها ليس مهاجمة الأخت سهام القحطاني، أو الانحياز إلى طرف الدكت ور عبد الله الغذامي، لكن فكرة المقال أعجبتني حقاً فأردت وبنية حسنة أن أشارك في جدل قائم حول ملمح فكري محدد، وأن أنخرط مع كاتبة قديرة في جدل موضوعي أتمنى أن يستمر حتى نشبعه بحثاً وتأملاً.
* * *
خطاب المقدمات عند المقالح
النص الموازي وخطاب المقدمات عند المقالح
د. مسعود عمشوش*
من المعلوم أن القرن العشرين قد شهد بروز عدد كبير من فروع الدراسات الأدبية ومناهج النقد الحديثة. فقد أصبح لدينا اليوم أدوات منهجية لدراسة مختلف جوانب النص حتى تلك التي كانت في السابق – وربما لا تزال- إما مهملة أو يتم تناولها بشكل عابر وغير منهجي. ومن أهم جوانب النص الأدبي التي لم تحظ باهتمام كاف قبل ثمانينات القرن العشرين مجموعة العناصر المتناثرة حول متن النص أو داخله أو خارجه، وذلك لتسمّيه أو تقدّمه أو تفتتحه أو تهديه أو تعلق عليه أو توضحه أو تختتمه أو تصنفه أو تروج له. وتكمن أهمية هذه العناصر في أنها تكون نظاما إشاريا غنيا بالدلالات والمعلومات التي لا يحتويها المتن. وفي بعض الثقافات يمكن أن يتجاوز حجم النص الموازي حجم المتن نفسه. فالكاتب الفرنسي الكلاسيكي لابريير يؤكد في كتابه (الحكم) أننا “إذا أبعدنا من كثير من المؤلفات الأخلاقية الإهداء والتنبيه والمقدمة والفهرس وترخيص النشر لن يبقى منها إلا عدد قليل من الصفحات لا يكاد يكفي لنستطيع اعتبارها كتبا”. كما عرفت تقاليد النشر العربية القديمة نوعا فريدا من النصوص “الموازية” يكوّنه متن كامل ومستقل يبرز في هوامش صفحات المتن الأصلي. ويبدو أن سبب بروز هذا “النص الموازي” محاولة مؤلفه استغلال شهرة المتن الأصلي لتوصيل نصه إلى أكبر عدد ممكن من القراء.
وإذا كان بعض النقاد قد تناول هذا الجزء أو ذاك من عناصر النص الموازي عند قيامه بتحقيق بعض النصوص، فإن أول من خصص دراسة طويلة وشاملة لمختلف مكونات النص الموازي هو الناقد الفرنسي جيرار جينيت الذي ساهم كذلك في وضع مناهج تحليل السرد والنصوص الأدبية بشكل عام في كتبه: (خطاب الحكاية) سنة 1972، و(جامع النص) سنة 1979، و(أطراس) 1982، و(العتبات) سنة 1987. في مقدمة هذا الكتاب الأخير يلاحظ جينيت أن من النادر أن يقدم النص/المتن نفسه عاريا بدون مرفقات أو مكملات لغوية تحيط به أو تتداخل معه أو تنفصل عنه لتمكنه من تحديد هويته والنهوض كبنية دلالية مستقلة في شكل كتاب. وقد اختار جينيت أن يطلق على تلك المكملات “النص الموازي: le paratexte“، وعرفه قائلا إنه “ما يصنع به النص من نفسه كتابا ويقترح ذاته بهذه الصفة على قرائه وعلى الناس بشكل عام”.
وانطلاقا من موقع النص الموازي وهوية منتجه ووظيفته استطاع جينيت أن يضع تصنيفا دقيقا لمختلف أنواع النص الموازي، حيث ميّز بين النص الموازي الداخلي الذي يقع ضمن الكتاب، مثل العنوان والمقدمة والفهرس والهوامش والإهداء، وبين النص الموازي الذي يقع خارج الكتاب كالمقابلة والدعاية. وميز كذلك بين النص الموازي الذي ينتجه المؤلف نفسه كالإهداء والمقابلة، وبين النص الموازي الذي يضعه الناشر كالدعاية والنبذة والغلاف الأخير. وفرّق جينيت أيضا بين النص الموازي الرسمي الذي يتحمل المؤلف أو الناشر مسؤوليته والنص الموازي غير الرسمي الذي يضعه شخص آخر “مستكتب”، قد يكون ناقدا أو فنانا أو صحفيا.
وبيّن جيرار جينيت مختلف الوظائف التي يمكن أن يضطلع بها النص الموازي مؤكدا أن كل نص مواز يُسخر عادة لخدمة متنه ويهدف إلى التعريف به وبمؤلفه وناشره ومحتواه. وبعكس الوظيفة الجمالية النادرة والثانوية يرى جينيت أن الوظيفة البرجماتية هي أبرز وظائف النص الموازي الذي يسعى دائما إلى توجيه القارئ نحو مقصدية المؤلف، وإقناعه بقبول تفسير محدد أو قراءة بعينها للنص/المتن.
أما على المستوى التطبيقي فقد ظهرت كثير من الدراسات التي خصصت لهذا الجزء أو ذاك من مكونات النص الموازي، لاسيما في اللغات الأجنبية. وفي الغالب تم التركيز على العناوين والمقدمات. ولم نطلع إلا على كتاب واحد في اللغة العربية صدر سنة 1988 حول (العنوان في الأدب العربي). ولم يشر مؤلفه د. محمد عويس إلى (عتبات) جيرار جينيت. وبالمقابل قام عدد من النقاد العرب الذين تأثروا بجيرار جينيت بكتابة دراسات قصيرة حول العناوين والمقدمات؛ من بينها دراسة د. جميل حمداوي عن “السيميوطيقا والعنونة”(1)، ودراسة د. محمد الهادي حول “شعرية عنوان كتاب الساق على الساق في ما هو الفارياق).(2) وفي العدد الأول من مجلة (جذور) السعودية نشر بو جمعة جمي دراسة حول (خطاب المقدمات في شروح مخطوطة لما أبدعه الحريري من مقامات). ونشر د. المصطفى الشاذلي “مقاربة أولية لكيفية اشتغال المقدمة في الخطاب النقدي القديم”.(3) ومن الملاحظ أنه منذ صدور كتاب (العتبات) أصبح دارسو الأدب العربي -لاسيما الذين يتقنون اللغة الفرنسية منهم- يولون اهتماما كبيرا بالنص الموازي في أبحاثهم ومحاضراتهم. ونعتقد أن دراسة محمد بنيس جول (الشعر العربي: بنياته وإبدالاتها) من أنجح الدراسات التي استطاعت أن توظف بشكل خلاق مقولات الناقد الفرنسي جيرار جينيت في اللغة العربية.
ويشير الأستاذ بو جمعة جمي في دراسته حول خطاب المقدمات في شروحات مقامات الحريري إلى عادة المؤلفين العرب استهلال كتبهم بمقدمات يضعونها بأنفسهم ويثبتون فيها معلومات توثيقية بالغة الأهمية لكنها لا تقبل الإقحام في متن الكتاب. ويرى أن المؤلفين العرب قد تأثروا في الوقت الحاضر بمناهج الكتابة عند المستشرقين والمؤلفين الغربيين بشكل عام لاسيما فيما يتعلق بعادة استكتاب المقدمة أي طلب كتابتها من قبل كاتب آخر غير المؤلف. ويمكن أن نضيف هنا أن هذه العادة ظلت في الغرب محصورة في الكتب العلمية وطبعات “الأعمال الكاملة”، والطبعات العلمية المحققة، أو الطبعات “المكررة” للكتب التي حظيت بشيء من النجاح مثل المقدمة التي وضعها جان بول سارتر لكتاب صديقه بول نيزان (عدن العربية) والتي كانت العامل الأساسي للانتشار الواسع للكتاب في كثير من اللغات طوال عقد الستينيات من القرن العشرين. وفي هذا الإطار تدخل المقدمة الممتازة التي كتبها الأستاذ الشاعر عبد العزيز المقالح لمجلد أعمال الزبيري الشعرية الذي نشرته دار العودة سنة 1976.
لكن من النادر جدا أن يستهل الكاتب الغربي الطبعة الأولى لعمله الإبداعي بمقدمه مستكتبة أو من تأليفه. وربما يعمد بعض الروائيين إلى افتتاح نصهم الخيالي بمقدمة هي في الواقع جزء لا يتجزأ من النص الخيالي نفسه وذلك بهدف محاولة خلق مضاهاة بين المؤلف والراوي والبطل. نجد ذلك مثلا في رواية إيتالو سفيفو (ضمير زينو)، وفي رواية (أحياء من البحر الميت) للروائي الأردني مؤنس الرزاز.
ومن اللافت للانتباه أن كثيرا من المبدعين اليمنيين يسعون إلى تضمين الطبعة الأولى من إصداراتهم مقدمة بقلم زميل أو أديب مشهور. وقد تنبه الناقد فيصل سعيد إلى هذه الظاهرة وحاول أن يجد لها تفسيرا عند الأستاذ عبد العزيز المقالح وذلك حينما سأله: “منذ بداية السبعينات وأعمال أدبائنا المنشورة تتوالى، وتدخل الحلبة وجوه جديدة. لكن الظاهرة الملاحظة هي الميل والحرص على ظهور هذه الأعمال بمقدمات. ولقد كان لك الجزء الأكبر من هذه المقدمات. ألا يمكن تفسير هذه الظاهرة بأنها مؤشر لوجود شك من قبل الأديب في نفسه، وفي متابعة القراء للجديد من الإنتاج إلا إذا أتى “بمكبر صوت” كما قلت في ديوانك (لا بد من صنعاء وإن طال السفر)؟ وقد ردّ عليه المقالح قائلا “وضع المقدمات للأعمال الأدبية تقليد أدبي متعارف عليه، وهو منقول عن الغرب في كل ما نقلناه عنه من مذاهب وأساليب. والمقدمة نوع من التعريف المباشر أو غير المباشر بالأديب وما يكتب. ولا توجد بالضرورة علاقة بين المقدمة وشك الكاتب أو تردده في قيمة ما يكتب. فالمعروف أن طه حسين قدّم لبعض كتب زملائه من أصحاب الشهرة العالمية. ولعل أعمالنا الأدبية في فترة ارتجالها الأولى خارج الأرض اليمنية تكون بحاجة إلى من يقدم لها بخلفية محلية لكي لا تتوه في زحام الكتب والأعمال الأدبية الأخرى”.
وفي بعض الحالات النادرة يقوم المبدعون اليمنيون أنفسهم بوضع مقدمات للطبعات الأولى من إصداراتهم مثلما فعل القاص والروائي محمد مثنى حينما افتتح مجموعته القصصية الثانية (الجبل يبتسم أيضا) بمقدمة قام هو بتحريرها. أما القاص محمد صالح حيدرة فقد استهل مجموعته القصصية الثانية (السحب المسافرة) بثلاث (إضاءات) ليست لها علاقة مباشرة بالمتن، إذ إنه قد استلها من كتابات نقدية (لكل من د. عبد العزيز المقالح و د. سهير القلماوي ود. عبد الحميد إبراهيم) تناولت مجموعته القصصية الأولى: (مراهقة جدا).
خطاب المقدمات عند المقالح:
ومن المعلوم أن الشاعر اليمني عبد العزيز المقالح قد اختار أن يكرس جزءا كبيرا من وقته للنقد الأدبي بشتى أنواعه. وقد أكد ذلك في لقاء أجرته معه مجلة (نزوى) العمانية قائلا: “إنني أعطيت للإبداع الأدبي في اليمن شعرا وقصة ورواية ومسرحا عصارة جهدي النقدي المتواضع، وحاولت التعريف بالمبدعين في هذه البلاد على حساب الشعر الذي نذرت له كلماتي”. ومن المؤكد أن جزءا كبيرا من الجهد النقدي للدكتور المقالح قد تبلور أولا في شكل مقدمات تصدرت أعمال عدد كبير من الكتاب والمبدعين اليمنيين الذين كثيرا ما يعرضون عليه مخطوطاتهم ويلحون عليه لكي يقدمها للقارئ. وقد تحدث المقالح عن هذا الموضوع في مقابلة أخرى أجراها معه إبراهيم المقحفي سنة 1982 قائلا: “اعتبرت الموضوع جزءا من مسؤولية كبيرة للتعريف بواقعنا الأدبي الذي كان من النادر أن يعيره أحد أي اهتمام. ومن خلال تلك السطور التي تصدرت بواكير إنتاجنا الشعري والقصصي والنقدي برزت بعض الاهتمامات المحلية والعربية بتلك الكتابات. وقد أبدى بعض الأساتذة والنقاد ملاحظة وهي أنه في انتظار أن يشتد ساعد الحركة الأدبية في اليمن ويكون في مقدور الناقد العربي المتخصص أن يقوم بتقديم الشعراء اليمنيين إلى مواطنيهم في إطار نقدي تقييمي على النقاد اليمنيين أنفسهم أن يتولوا مهمة تقديم شعراء بلادهم إلى القارئ العربي لأن (صاحب الدار أدرى بالذي فيه)، ولأنهم سيكونون أكثر تعاطفا مع بواكير الإنتاج في بلادهم”.
ولا شك أن أي تقييم شامل لخطاب المقدمات عند المقالح ينبغي أن يستند إلى قراءة تحليلية لبضع عشرات من المقدمات التي شرع المقالح في كتابتها منذ أكثر من ثلاثين عاما. وفيما يخصنا سنكتفي في السطور القليلة الآتية بإبراز بعض السمات العامة للمقدمة عند المقالح من خلال قراءة للمقدمات الثمان التي أعاد المقالح نشرها سنة 1999 في كتابه (دراسات في الرواية والقصة القصيرة في اليمن)، والتي تندرج جميعها في إطار النقد التعريفي الذي يمكن أن تضطلع به أية مقدمة “مستكتبة”.
عند المقالح يرتكز هذا النوع من المقدمات على القيام بتعريف المؤلف والكتاب من خلال تحديد موقعهما في المسار التاريخي القصير لتطور كل من الرواية والقصة القصيرة في اليمن، وكذلك من خلال إبراز دور الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية في رسم ذلك المسار. ففي مقدمة رواية (هموم العم قوسم) لمحمد مثنى يتناول المقالح تعثرات الرواية في اليمن ويؤكد أن عقد السبعينيات من القرن العشرين كان عقد أولى المحاولات الجادة لكتابتها. وتوقف المقالح بشكل أطول أمام الموضوع نفسه في المقدمة التي وضعها سنة 1976 لرواية محمد حنيبر (قرية البتول) التي حالت الظروف التي أفرزتها حينئذ اتفاقية كامب دافيد دون نشرها. أما في مقدمة رواية عزيزة عبد الله (أحلام نبيلة)، التي تبدأ بخطاب طويل حول الأثر الذي تركته الثورة في حياة المرأة اليمنية وتمكنها من تحقيق حضور فاعل في مجالات متعددة من الحياة العامة وفي وقت قصير نسبيا، فقد ربط المقالح بين ظهور الرواية اليمنية وتطورها في اليمن وبين قيام الثورة اليمنية.
ويفعل المقالح الأمر نفسه في أربع مقدمات أخرى من المقدمات الثمان التي اخترنا التركيز عليها. ففي مقدمة المجموعة الأولى لزيد مطيع دماج (طاهش الحوبان) يتكئ عبد العزيز المقالح بشكل ذكي على دراسة الناقد الفرنسي تزيتفان تودوروف حول (الناس والحكايات في ألف ليلة وليلة) ليربط ليس فقط بين ميلاد القصة القصيرة في اليمن وقيام الثورة، بل ليربط أيضا بين ميلاد القصة والحياة؛ فهو يكتب “إن فجر القصة في وطن ما يمكن أن يرتبط بفجر الحياة في ذلك الوطن. فبداية انتشار القصة تعني بداية الرفض للصمت… ولذلك فميلاد القصة الحديثة في اليمن يرتبط بالثورة أكثر ربما من ارتباطه بالشعر”. وفي مقدمة مجموعة (في جوف الليل) لمحمد مثنى يربط المقالح أيضا بين بداية القصة القصيرة وتطورها في اليمن وبين التحولات السياسية والاجتماعية التي شهدتها البلاد خلال العشرين سنة التي سبقت تاريخ نشر المجموعة عام 1982، ويرى أن تلك التحولات “كفيلة بأن تمكن القصة من الظهور والنماء وأن تمنح الجديد في الفن والأدب هوية المستقبل وشرعية الخروج على الهياكل المتداعية والمحنطة في توابيت السلفية والجمود”.
ويغيب هذا النوع من الربط في مقدمات المجموعات القصصية الأخيرة: (جوقة المساء- سنة1997) لآمنة يوسف ، و(الشراشف- سنة 1995) ، و(حريم أعزكم الله- سنة 1998) لمحمد الغربي عمران. وفيها يقوم المقالح بإبعاد آمنة يوسف ومحمد الغربي عمران من دائرة الأشكال التقليدية في القص، ويؤكد قدرة الأولى على المزج بين الحلم والحقيقة وتصوير “تشويش الحواس”، واستخدامها للغة شعرية مكثفة ذكرته بأسلوب ناتالي ساروت رائدة الرواية الجديدة في فرنسا. ويبرز المقالح أيضا حداثة الغربي عمران الذي استطاع أن يتجاوز مرحلة التركيز على الحدث وشرع في الاهتمام باللغة والرمز والتجريب. كما يميّز المقالح محمد الغربي عمران ويعده من القاصين اليمنيين القلائل الذين يحاولون رفد موهبتهم القصصية بالقراءة والمتابعة لما هو جديد.
وفي نهاية المقدمة الأخيرة (مقدمة حريم أعزك الله) يعود المقالح ليتحدث عن مسار القصة القصيرة في اليمن ويلاحظ أنها “رغم عوامل الإحباط والجفاف تقف على أبواب تغيير وتحول جذري انطلاقا من هذه المحاولات المتمردة على منطق القصة التقليدية وطريقة سردها”.
ويبدو لنا أن تركيز المقالح على النقد التعريفي في مقدماته يتناسب مع الوظيفة الرئيسة لهذا النوع من النص الموازي، لكنه حدّ قليلا من نصيب النقد الوصفي التحليلي باستثناء في المقدمة التي وضعها لمجموعة (البشارة) لعبد الفتاح عبد الولي. ففي هذه المقدمة الطويلة (11 صفحة) خصص المقالح مساحة كبيرة لتحليل نموذجين من قصص المجموعة بهدف إبراز مهارة القاص عبد الفتاح عبد الولي في استخدام الرمز لاسيما في قصة (الثلاثة) التي يقول عنها المقالح في نهاية تحليلها “قلما نجد في القصص اليمنية قصة تضاهي قصة (الثلاثة) في عمق فكرها وبعدها الرمزي”. وعادة ما يستخدم المقالح مثل تلك الملاحظات النقدية ليبني عليها بعض الخلاصات المتعلقة بمسار الأدب اليمني بشكل عام. ففي نهاية مقدمة (البشارة) مثلا يتناول المقالح الأسباب التي كانت – سنة 1986- تحد من استخدام الرمز والتجريب الحداثي في الأدب اليمني قائلا إن “تخلف المجتمع اليمني وقسوة معاناته يجعلان القاص اليمني ينصرف عن دخول معارك الاستحداث والمغامرات الشكلية، وإن كان انصرافه هذا قد أوقع جوانب من إنتاجه أحيانا في الجفاف الفكري والمباشرة، وجعل بعض الكتابات القصصية تعتمد التجسيد بدلا من الإيحاء”.
ومن الواضح أن معظم المقدمات التي يكتبها المقالح هي في الغالب للطبعات الأولى وفي كثير من الأحيان للإصدار الأول للمبدع المعني. لهذا فهي تحتوي دائما على بعد تشجيعي قد يتجسد في مجرد التأكيد على أن المؤلف كاتب موهوب وواعد أو أنه “سيكون واحدا من أهم كتاب القصة القصيرة في هذه البلاد”. ويقول د. عبد العزيز المقالح في المقابلة التي أجراها معه إبراهيم المقحفي “أرجو أن تفهم مقدماتي على أنها نوع من التعريف والتشجيع الضروري الذي لا يستغني عن مثله كبار الكتاب والشعراء ناهيك بصغارهم”.
ويمكن أن يأخذ هذا البعد التشجيعي شكلا احتفائيا وذلك حينما يقترن بالتحية والترحيب كما هو الحال في المقدمة الأولى التي كتبها المقالح لمجموعة زيد مطيع دماج (طاهش الحوبان) والتي تنتهي بالكلمات الآتية: “ومع كل الملاحظات التي يمكن أن يثيرها الحديث عن السمات الفنية لهذه المجموعة المختلطة بتراب اليمن وروائح البن والقات، فإن قاصا كبيرا يوشك أن ينهض من بين صفحاتها ويتهيأ لكي يحتل مكانه المرموق ويعوض القصة الحديثة في اليمن عن خسارتها الفادحة والكبيرة بغياب تشيكوف اليمن، الفنان الراحل محمد عبد الولي. فمرحبا بطاهش الحوبان ليأكل بعض مخاوفنا، ولكي يمنحنا الشجاعة والصبر على معانقة التضحية والثورة”.
أما في مقدمة مجموعة (البشارة) فيأتي البعد التشجيعي في شكل دعوة للمبدع إلى مواصلة الكتابة والعطاء؛ فنحن نقرأ في نهايتها: “إن عبد الفتاح عبد الولي أكثر أبناء جيله من القاصين اليمنيين وعدا وعطاء متميزا وآمل أن يكون في نشر مجموعته الأولى حافز على الاستمرار في عملية الخلق الفني وعلى مواصلة المسيرة الإبداعية التي أثراها شقيقه محمد عبد الولي، وأن يكون انصرافه المؤقت عن كتابة القصة أزمة عابرة يعود بعدها أكثر تطلعا وإشراقا ومواكبة”.
ومع أن هذا البعد التشجيعي والوظيفة البرجماتية لأية مقدمة قد يتنافيان – في اعتقادنا- مع إبراز “الهنات” التي يمكن أن يحتويها المتن إلا أن الأستاذ عبد العزيز المقالح لا يتردد في بعض المقدمات من الإشارة إلى السلبيات التي يصادفها في النص المقدم ولاسيما الضعف اللغوي. نجد هذا النوع من الإشارات مثلا في مقدمة (طاهش الحوبان) وفي مقدمة رواية (أحلام نبيلة) وكذلك في مقدمة (هموم العم قوسم).
وإذا كانت الوظيفة البرجماتية لمقدمات المقالح تتجسد عادة بشكل ضمني نلاحظ أن المقالح يتوجه أحيانا بشكل مباشر إلى القارئ ليرشده إلى الطريقة المناسبة لقراءة المتن. هذا ما نجده مثلا في مقدمة (حريم أعزكم الله) التي يتوجه المقالح فيها إلينا قائلا: “وللتعرف على نجاح القصة القصيرة في الوصول إلى هذه الغاية أدعو بإلحاح قارئ هذه المجموعة إلى قراءة معظم أو كل قصصها قراءة سينمائية، أو بمعنى آخر تمثلها وقد صارت فيلما سينمائيا يطول أو يقصر”. كما يتناول المقالح في هذه المقدمة عنصر العنوان موضحا أن “أسبابا إنسانية واجتماعية ووطنية تجعلني اختار –كما اختار الكاتب نفسه- هذا العنوان لهذه المجموعة”.
ومما لاشك فيه هو أن أهمية محتوى مقدمات المقالح تنبع بدرجة أساسية من أن مؤلفها يضمنها عددا من آرائه وملاحظاته النقدية التي نادرا ما تنحصر في المتن أو الكاتب الذي يتم التقديم له، بل تتجاوزه لتأخذ أبعادا عامة تتعلق برصد مسار الأدب في اليمن بشكل عام. كما أن جزءا من تلك الآراء والملاحظات النقدية المهمة لم يقم المقالح بالإفصاح عنه أو بلورته في أي مكان آخر. ولا ريب في أن المقالح يدرك تماما أهمية هذا البعد النقدي والتاريخي العام لمقدماته إذ إنه يكتب “إن الديوان أو صاحب الديوان قد لا يعنيني بقدر ما تعنيني الحركة الأدبية التي يصب فيها ويعبر عن ملامحها… وأستطيع أن أقول بلا مبالغة أو تمدح إن كل مقدمة كتبتها لعمل ما لم تكن تنحصر في ذلك العمل بل كانت تشير إلى مجمل الحركة الأدبية سواء كانت شعرا أو قصة أو دراسة أدبية، وتحاول أن تطرح مجموعة من القضايا وتلفت الانتباه إلى كثير من الأمور المتعلقة بقضايا النقد والأدب”.
وفي نهاية هذا العرض السريع لبعض سمات خطاب المقدمات عند المقالح نرى أن باستطاعتنا التأكيد أن الجهد الكبير الذي بذله الدكتور عبد العزيز المقالح في قراءة إصدارات عدد كبير من أدباء اليمن وتقديمها للقارئ اليمني والعربي يجعلنا نقول مع الناقد د. صبري مسلم “يستأهل الباحث المقالح أن يكون الموجه والأب الروحي لجيل من الروائيين والقاصين في اليمن. وهو يسعى إلى ذلك بتواضع جم وبلا ضجيج أو تعالي أو وصاية”.
الهوامش:
(1) نشرها في العدد الثاني، المجلد 25 من مجلة (عالم الفكر).
(2) نشرها في العدد الرابع، المجلد 28 من مجلة (عالم الفكر).
(3) في العدد التاسع والعشرين من مجلة علامات في النقد).
* أستاذ وناقد من اليمن