مقدمة كتاب (صحاري حضرموت)
حضرموت مقسمة اليوم على جهازين إداريين شبه منفصلين؛ يقع أحدهما في العاصمة المكلا ويتولى إدارة شؤون مديريات الساحل والهضبة. ويقع الثاني في سيئون ويدير شؤون مديريات الوادي والصحراء. ومن المعلوم أن مديريات الصحراء تغطي نحو ثلثي مساحة حضرموت، الممتدة على طول الجزء الشمالي منها. وتعد صحاري حضرموت جزءاً مما يسمى اليوم بالربع الخالي، وجزءاً مما يسمى برملة السبعتين. ويعد الرُّبع الخالي أكبر صحراء رملية متّصلة في العالم، وهي جزءٌ من الصحراء العربية، رابع أكبر صحراء في العالم، ويغطي الثلث الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة العربية. ويتوزع الربع الخالي، الذي تبلغ مساحته 430,000 كيلومترا مربعا، بين السعودية وحضرموت واليمن وعُمان والإمارات، ويقع الجزء الأكبر منه داخل الأراضي السعودية. أما رملة السبعتين فهي منطقة صحراوية تضم اليوم مناطق في حضرموت وشبوة وجزءاً من الجوف ومأرب. وكانت تعرف في الماضي بمفازة صيهد؛ فقد قال عنها ياقوت الحموي (المتوفى سنة 626 هـ في كتابه الجغرافي (معجم البلدان 3/ 126): “صيهد مفازة بين مأرب وحضرموت”.
وكتب علوي بن طاهر الحداد في كتابه (الشامل في تاريخ حضرموت ومخاليفها): “وادي العَبْر وهو واد يبتدئ من الكسر وينتهي في مدخل رملة صيهد ومرادنا به الوادي المتسع الذي يبتدئ من طرف ريدة الصيعر الغربي ينتهي بالفوهة والخشعة”. وقديما كان طريق البخور الذي تنتجه مملكة حضرموت، يمر عبر رملة السبعتين، التي كانت ملتقى للقوافل التجارية الآتية من جميع المدن في الحقبة الزمنية القديمة.
وتتميّز صحاري حضرموت بتضاريسها المتنوعة. وفي الحقيقة ليس كل مساحات مديريات صحراء حضرموت رملية، فأجزاء كثيرة منها تحوّلت رمالها إلى أرض صلبة وأخذت شكل أحقاف وأشرطة. وهناك رقعة كبيرة تغطيها تلال ووديان ومراع يطلق عليها البدو: قُف أو (نِيد) أي (نجد).
وتعدُّ هذه الصحاري موطنًا للعديد من القبائل البدوية، التي اضطر كثير من أبنائها إلى النزول إلى (عروض) وادي حضرموت ومدنه وقراه، ولا يعودون إلى نجودهم ومرابضهم إلا في فترات (الغيث)، أي عند نزول الأمطار فيها.
وعلى الرغم من أن مديريات الصحراء تغطي نحو ثلثي مساحة حضرموت، فالقليل منّا يعرف شيئا عنها. وقد كتب عن صحاري حضرموت بعض الحضارم وكثيرٌ من الضباط والرحالة والمغامرين الغربيين. لهذا رأينا أن نكرّس هذا الكتاب لتقديم صحارينا من خلال ما دوّنه أربعة حضارم: المؤرخ عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف، الذي تناول في الجزء الأخير من كتابه (إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت) نجود حضرموت، وسكانها وعددا من الأحداث التاريخية التي وقعت فيها، وعلوي بن طاهر الحداد الذي قدم هو أيضا نجود حضرموت الشمالية في كتابه (الشامل في تاريخ حضرموت ومخاليفها)، وجعفر محمد السقاف الذي قدم وصفا لبعض مناطق صحراء ثمود في كتابه (رحلة إلى الربع الخالي). ونشكر الباحث نائف بن ناصر المنهالي الذي سمح لنا بتضمين هذا الكتاب تقديمه الشامل لمديرية ثمود.
كما يتضمن هذا الكتاب أربع دراسات قمنا بها لما كتبه أربعة غربيون زاروا حضرموت خلال القرن التاسع عشر والقرن العشرين، وهم: البارون الألماني أدولف فون فريده، الذي أكد أنه قد وصل سنة 1843 إلى أطراف (البحر السافي) حاملا مسبرا يزن نصف كيلوجرام اختفى تماما وسط رمال صحراء العبر، والمستكشف هاري سانت جون فليبي وويلفريد ثيسيجر، والمستشار السياسي جون دوكر الذي تحدث في مذكراته عن آبار العبر وزمخ ومنوخ وثمود وسناو، وعن المراكز التي شيّدتها بريطانيا لجيش البادية الحضرمي بالقرب من تلك الآبار.
ونأمل أن نكون، بهذا الجهد المتواضع، قد أسهمنا في تعريف القراء بجزءٍ مهمٍّ من أجزاء بلادنا. والله من وراء القصد.
ود عمشوش
عدن، الأول من يونيو 2024
Comments are Closed