الرسالة الإدارية
مسعود عمشوش
الرسالة الإدارية نوع من أنواع الكتابة الوظيفية. وهي أداة للتواصل والتخاطب كتابيّاً بين الموظفين والمدراء والوحدات والمكاتب والأقسام، داخل الإدارات والمؤسسات والشركات الخاصة والعامة. وهي وسيلة اتصال وتخاطب بين تلك الجهات مع الخارج، سواء أكان مؤسسات أو أفرادا؛ فالخطابات التي يوجهها الأفراد إلى الجهات الحكومية أو الشركات والمؤسسات الخاصة، كطلبات العمل والشكاوى والتوكيلات، تدخل في إطار الرسائل الإدارية. وتاريخيا أطلق العرب على الرسائل الإدارية: (الرسالة الديوانية)، وميّزوها عن (الرسالة الإخوانية) الشخصية أو الخاصة. واليوم اكتسبت الرسالة الإدارية أهمية أكبر، إذ أنها تُعدُّ وثيقة رسمية وقانونية قابلة للحفظ والأرشفة بيسر. فعلى الرغم من أن ممثلي الأطراف المرسلة والمستلمة يمكن في الغالب أن يتواصلوا أثناء لقاءات واجتماعات وظيفية مختلفة إلا أن الرسالة الإدارية تظل هي أداة التواصل الرئيسة بين الوزارات والمؤسسات العامة والخاصة والإدارات، وبين الأفراد وتلك الجهات، والعكس. فحتى عندما يكون باستطاعة الأطراف التواصل والتخاطب حضوريا وشفهيا فهم يفضلون توثيق تواصلهم في شكل رسائل متبادلة، أكثر من توثيق ما يقولونه في محضر لقاء أو اجتماع.
مواصفات الرسالة الإدارية
من المعلوم أن الرسالة الديوانية قد أصبحت في نهاية العصر الأموي فنّاً يتضمن كثيراً من الأبعاد الأدبية، فرسائل عبد الحميد الكاتب مثلا تتميّز باستخدام المحسنات البديعية المختلفة، كالسجع والجناس الترادف وكثرة الحشو. لكن اليوم أصبح للرسائل الإدارية قوالب ومواصفات معيارية ثابتة، أهمها: الإيجاز الشديد؛ فالرسالة الإدارية لم تعد تتحمل التنميق والحشو الذي اتسمت به الرسائل الديوانية. وهي اليوم لا تتجاوز أبدا الصفحة الواحدة، ويفضل ألا تتناول أكثر من موضوع واحد. وإذا طالت الرسالة من المرجح ألا يقرأ المستلم إلا طرفا منها ويهملها، وربما يتعامل معها بسلبية.
ويجب أن تكون الرسالة الإدارية مكتوبة بلغة عربية سليمة؛ نحويا وإملائيا وطباعيا، وأن تكون لهجتها سهلة غير متكلفة وغير معقدة، وأن تتكئ على الأسلوب المهذب واللطيف، وتبتعد عن النقد المباشر، وتترك انطباعاً حسناً في نفس المستلم عن شخصية المرسل وطريقة تفكيره وعرضه للأمور، فعندما ينجح المرسل في صياغة رسالته بسلاسة يتمكن من تحقيق غرضه بسهولة.
وكما هو الحال بالنسبة للشكل ينبغي مراعاة الترتيب المنطقي المتدرج عند صياغة مضمون الرسالة الإدارية، وفق القالب المتعارف عليه. فاليوم تتكوّن الرسالة الإدارية من ثلاثة أجزاء رئيسة، هي:
– (الابتداء) ويتكون من البسملة، التي تكتب في وسط أول سطر من الصفحة، تحتها شعار الجهة المرسلة واسمها، والمرجع. ثم اسم المستلم أو المرسل إليه وصفته الوظيفية وعادة يشفع بكلمة (المحترم أو الموقر). وفي السطر التالي: التحية الافتتاحية، واليوم لم تعد كلمة (وبعد) مطلوبة. وتحت التحية نبيّن موضوع الرسالة بشكل دقيق.
ويتضمن الجزء الثاني من الرسالة الإدارية (العرض)، وهو الجزء المهم من الرسالة ويشكل صلبها وعمودها الفقري، ويتكوّن من المقدمة التي تبدأ الاتصال بالمرسل إليه، وتشير إلى رسالته أو مرجعها إن وجدت، ثم تذكّر الهدف من الرسالة، وتذكُر بإيجاز وذكاء الحيثيات التي يستند إليها المرسل في فقرة جيدة السبك. وفي نهاية هذا الجزء يتم تلخيص الموضوع وتحديد طلب المرسل بدقة ووضوح تام. وكثير من المسئولين لا يقرأون إلا نهاية العرض.
ويتضمن الجزء الثالث (الخاتمة) التحية الختامية التي تأتي في نهاية الرسالة بعد الانتهاء من عرض الموضوع وتكتب على سطر جديد، ويستحسن أن تكون موجزة معبرة مثل: وتقبلوا خالص الشكر والاحترام. وتحتها اسم المرسل وصفته وتوقيعه. وفي السطر التالي يتم ذكر قائمة المرفقات إن وجدت. واليوم بدأت تختفي عادة ذكر قائمة الجهات التي تنسخ إليها بعض الرسائل الإدارية. وهي عادة لا توجد في الرسائل الإدارية المكتوبة باللغات الأخرى.
أنواع الرسائل الإدارية:
من أنواع الرسائل الإدارية تلك الرسائل المتبادلة بين رؤساء الدول والوزراء، والرسائل الحكومية بين الإدارات المختلفة، والرسائل من الإدارات والمؤسسات الحكومية إلى الأشخاص، ورسائل طلب الفصل في قضية ما أو التقدم بشكوى معينة إلى جهة ما، أو دعوة المسؤولين لحضور اجتماع أو ما شابه، وإشعار موظف ما بالتعيين، أو الإنذار ولفت الانتباه أو الفصل. وهناك الرسائل الترويجية التجارية الخاصة بعرض بيع سلع معينة، ورسائل عروض المناقصات والعطاءات التجارية.
من يكتب الرسائل الإدارية؟
هناك من يرى أن قدرة كثير من المسئولين والموظفين والطلبة على التعبير، كتابيا وشفويا، أصبحت اليوم متدنية، ويعجز كثير من الموظفين والمسئولين والخريجين عن كتابة خطاب إلى جهة رسمية أو رسالة إلى أو تدوين محضر اجتماع. ويتحاشى بعض المسئولين كتابة رسائلهم وتقاريرهم بأنفسهم. ولا ريب في أن ظاهرة الضعف اللغوي أخذت تنتشر في مختلف مؤسساتنا وأنشطتنا اليومية. لكن هذا لا يعني أن كتابة الرسائل الإدارية تقع على عاتق المسئول نفسه، فلو كان الخلفاء والحكام يكتبون في السابق رسالهم بأنفسهم لما سمعنا عن ديوان الرسائل ولا عن عبد الحميد الكاتب. واليوم كتابة الرسائل الإدارية في الوزارات والمؤسسات والشركات تقوم بها عادة السكرتيرة أو مدير المكتب. لكن مسئولية سلامتها يتحملها بالطبع من يوقعها. وكثيرة في الحقيقة هي تلك الرسائل المليئة بالأخطاء المتنوعة التي يوقعها كبار المسئولين.
وإذا كانت السكرتيرة أو مدير المكتب هو من يتحمل مسئولية كتابة الرسالة الإدارية الحكومية فمن المؤكد أن المسئول نفسه من يتكرم ويكتب الرد المقتضب أو التعليق أو التحويل (الملتوي)، في أسفل الرسالة أو هامشها. أما في القطاع الخاص والتجاري فيبدو أن كتابة الرسائل والرد عليها يتولاهما في الغالب كاتب (عرض-حالات) محترف. وكله بحسابه.
Comments are Closed